ألف اختراع واختراع. التراث الإسلامي في عالمنا

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت 8 يونيو 2019
جريدة الحياة
علي عفيفي على غازي - صحافي وأكاديمي مصري


ألف اختراع واختراع من التراث الإسلامي في عالمنا


هل أكثر من ألف عام من تاريخ البشرية عصور مظلمة أم عصور ذهبية شهدت ألف اختراع واختراع غيرت وجه البسيطة؟ وهل كانت أفكار ليوناردو دافينشي Leonardo Da Vinci بشأن الطيران أصيلة؟ وهل هناك أوجه اشتراك بين حبوب القهوة والطوربيدات والمشارط الجراحية والأقواس المعمارية والمراصد الفلكية؟ من الذي ابتكر تغليف حبوب الدواء؟ من أين تعلم فيبوناتشي Fibonacci استخدام الأصابع في إنجاز الحسابات الرياضية المعقدة؟ أسئلة جوهرية هامة، يسعى معرض ألف اختراع واختراع نظمه متحف الفن الإسلامي في الدوحة عاصمة دولة قطر، وكتاب ألف اختراع واختراع؛ للإجابة عليها، بطريقة مبتكرة رائعة للعرض، باستخدام التكنولوجيا، وبأسلوب سهل ميسر. والقارئ للكتاب، يجد أن التراث الإسلامي في عالمنا موزع في سبع فضاءات: البيت، السوق، المستشفى، المدرسة، المدينة، العالم، الكون. والكتاب في طبعته العربية عبارة عن موسوعة تقع في 395 صفحة من القطع الكبير، مجلد تجليد مقوى، وتتشابه تقريبًا الطبعة الإنكليزية مع الطبعة العربية في الشكل والصفحات والتجليد. والمحرر المسؤول عن الكتاب هو البروفيسور سليم الحسني رئيس مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة FSTC، ورئيس مبادرة ألف اختراع واختراع بالمملكة المتحدة، أما المشاركون في تحرير الكتاب فهم 21 بروفيسور ودكتور، أساتذة لمختلف العلوم البشرية والكونية في عالمنا.

وعن الكتاب يقول أدم هارت ديفيس Adam Hart Davis مقدم برامج تليفزيونية علمية في الـ B.B.C سلسلة “ماذا قدم لنا الأقدمون؟ What the Ancients Did for us”: “هذا الكتاب الرائع مفعم بأفكار الحضارة الإسلامية، بدءًا بالجزري وساعته العظيمة، والكندي وابن الهيثم ونظرياتهما البصرية الثورية وتجاربهما وكتبهما، مرورًا بعلماء الفلك الذين جابوا العالم مهتدين بالنجوم، وصناع الخرائط الذين رسموا شمال الأرض في أسفلها. كل صفحة فيه منجم للمعلومات الشائقة، حيث تجد وصفات لتجارب عملية مع رسوم توضيحية بأسلوب جميل، ليتني حصلت على هذا الكتاب قبل خمسين سنة”.

وفي صدد تصديره للكتاب يقول عنه السير رولاند جاكسون Sir Roland Jackson، الرئيس التنفيذي للجمعية العلمية البريطانية The British Science Association: “أرحب بهذا الكتاب الشيق الأخاذ بوصفه إسهامًا مهمًا في فهم أوسع للعلوم والتكنولوجيا ضمن الحضارة الإسلامية، وفهمًا أوضح لما نحن مدينون به في المجتمعات الحديثة لهذا التراث بوجه خاص... فهذا الكتاب يعد تذكرة مطلوبة لنا، لأنه يروي ما قدمه المسلمون من إسهامات عديدة مهمة بعيدة الأثر في تطوير ما لدينا من تكنولوجيا ومعرفة مشتركة، وكلنا أمل في أن يلهم هذا الكتاب المسلمين وغير المسلمين، بل وحتى الذين لا يدينون بدين، وأن يصبح مرشدًا للسبل التي تقود العلم إلى الكشف عن أعاجيب العالم الطبيعي، ومن خلاله يمكن أيضًا للتكنولوجيا أن تسهم بدور فعال في الوسائل التي نستطيع بفضلها العمل معًا يدًا بيدٍ”.

وفي التمهيد يقول عنه البروفيسور سليم الحسني المحرر المسؤول: “هذا الكتاب جزء أساسي من مشروع ألف اختراع واختراع، الذي يشكل معرضًا جوالاً وكتابًا ودليلاً للمعلمين، وملصقات تعليمية تربوية وموقعًا إليكترونيًا. لقد حقق هذا الكتاب نجاحًا مدويًا، إذ نفدت الطبعة الإنكليزية الأولى في غضون أشهر ثلاثة، والطبعة الإنكليزية الثانية والطبعة التركية الأولى أوشكتا على النفاد، كما أن الطبعة الإنكليزية الثالثة عرفت نجاحًا وانتشارًا كبيرين، وهذه الطبعة العربية الجديدة تقدم فرصة لتحسين المضمون بفضل إدخال مواد وصور جديدة، وإيضاح الغموض حول بعض الأمور”.

والكتاب عبارة عن مدخل وسبعة فصول وخاتمة تضمنت شخصيات من الماضي، وعقول أوروبية رائدة، وخط زمني للأحداث الإسلامية الرائدة، وقائمة مصادر ومراجع ومؤلفون ودراسات.

في المدخل يحكي المحرر المسؤول قصة ميلاد فكرة المعرض والكتاب، التي نبتت منذ عام 1975، أثناء محاضرة ألقاها الأمير تشارلز ولي عهد المملكة المتحدة في مسرح شيلدونيان بعنوان “الإسلام والغرب”، وبعدها كب على قراءة العديد من الكتب والدوريات، التي أظهرت الفجوة العجيبة في التطور التكنولوجي منذ العصور الأولى حتى يومنا هذا، إذ دائمًا ما نظر الكتاب الغربيون إلى الفترة من عام 450م حتى عام 1492م بوصفها “عصورًا مظلمة” غاب عنها كل ما يتعلق بالحضارة والعلم، والتي أطلق عليها “الزمن الغامض”.

فكان وقع كلام الأمير تشارلز على محرر الكتاب كسري النار في الهشيم، فعمد إلى تكليف مؤرخين، وإطلاق مشروعات لأبحاث جامعية جديدة في مجال إعادة بناء افتراضي للآلات الهندسية القديمة، فاستقطب عدد من الأكاديميين والمهنيين الذين تشاركوا نفس التفكير، مما أفضى إلى إنشاء مؤسسة العلوم والتكنولوجيا والحضارة، وكانت تجربة المعرض والكتاب الأولى، التي اكتملت عام 1993.

وتتمثل أهداف المعرض والكتاب في: رفع مستوى الوعي بألف سنة تمتد بين القرنين السابع والسابع عشر الميلاديين من التراث الإسلامي، وخلق فهم وتقدير لإسهام المسلمين في تطوير العلوم والتكنولوجيا المعاصرة على نطاق العالم، وإلهام الشباب المسلمين وغيرهم بإيجاد نماذج حياتية يُحتذى بها في ميادين العلم والهندسة، وتشجيع مفهوم الابتكار العلمي والتكنولوجي وتعزيزه بوصفه قناة إيجابية بنّاءة للتعبير عن معتقدات الفرد بدلاً من الانعزالية الدينية والتطرف، واستخدام الجذور الثقافية للعلوم في تقوية التماسك الاجتماعي والتقدير والاحترام بين الشعوب.

وفي الفصل الأول المخصص للبيت، يتناول أثر مخترعات المسلمين في الحياة المنزلية، بداية من إثر رائحة القهوة التي لخصتها مقولة الشيخ عبدالقادر الأنصاري الجزيري “القهوة ذهب الإنسان العادي، تجلب لشاربها شعورًا بالفخامة والنبل”، والساعات التي نبتت فكرتها لدى الجزري من المثل العربي القائل “الوقت كالسيف أن لم تقطعه قطعك”، فصنع ساعة الفيل المعقّدة، والشطرنج الذي نقله المسلمون من الهند القديمة إلى أوروبا، وأدوات النظافة من الصابون والسواك والطيب والعطور انطلاقًا من حض القرآن على النظافة والطهارة، وأجهزة الحيل أو الميكانيكا التي كان الهدف منها التسلية، وقادتهم إلى الكثير من التصميمات كالنوافير العجيبة، والرؤية وتشريح العين وآلات التصوير على يد ابن الهيثم أعظم فيزيائي مسلم في علم البصريات، ووجبة الطعام ثلاثية الأدوار التي أدخلها في القرن التاسع رجل ملقب بزرياب إلى أوروبا عبر منفذ الأندلس، ودور المسلمين في نظام الصوت أو الموسيقى التي تتخطى القارات والثقافات والناس والطبيعة، فأوضح أن كثير من الآلات الموسيقية المستخدمة اليوم ترجع أسماؤها وقواعدها إلى الأصول الإسلامية العربية، والموضة والطراز اللتين انتقلتا مع التصاميم والأفكار العربية المتعلقة باللباس إلى أوروبا قبل ألف ومئتي سنة عندما كانت أسبانيا جزءًا من العالم الإسلامي، فورث مسلمو الأندلس نمط الحياة وطرز المعيشة والألبسة والأطعمة واختتم الفصل بالحديث عن السجاد، وبلغت صناعة السجاد قيمة أنه كان يقدم هدايا ثمينة متبادلة في أثناء البعثات الديبلوماسية إلى أوروبا.

ولما كانت الإنجازات الحضارية تقوم على التربية والتعليم والتعلم وتطبيق المعرفة للحصول على نتائج عملية من أجل تحسين الحياة الاجتماعية، فقد خُصص الفصل الثاني: المدرسة، للحديث عن بيت الحكمة في بغداد عاصمة العالم الإسلامي المزدهرة، التي ظلت تفاخر طيلة خمسمائة سنة بأنه حاضنة العلماء والمفكرين والثقافة، وكانت أكثر مدن العالم ثراء ومركزًا للتطور الفكري وخاصة في عهد الخليفة هارون الرشيد (786-809م)، ثم واصل الكتابة عن المدارس في العالم الإسلامي موضحًا ارتباطها بالمساجد، إذ لم يكن هناك فصل بين الدين والمعارف فقامت أول مدرسة في المدينة منذ أن استقر الرسول بها عام 622م، وعندما تطورت المدارس قسمت إلى أربع فئات بحسب مواد التدريس والمستوى التعليمي: المدارس المنتظمة التي تدرس موضوعات عامة ومنتظمة كالمدارس الابتدائية يتخرج فيها الطلبة بشهادة أولية يدخلون بموجبها المدارس العليا أو دور القراءة التي كانت مدرسة لذوي الكفاءة العالية بالعربية تعلم قراءة القرآن وتلاوته، أما بيوت الحديث فقد تخصصت في علوم الحديث والفقه، وتمنح خريجوها درجة تعادل المستوى الجامعي ليتمكنوا من تولي الخطابة في المساجد، وأخيرًا المدارس الطبية حيث كان طلاب الطب يتعلمون في المستشفيات ومن خلال التدريب على المهنة، وما أن ينهي المرء التعليم الأولي حتى يبدأ دراسة قواعد اللغة العربية والشعر والمنطق والتاريخ والفقه والتفسير والحديث، وبهذا يكون انتقل للتعليم الجامعي، وتعد جامعة القرويين في فاس أول جامعة في التاريخ بنتها عام 841م فاطمة الفهري، وكانت جامعة الأزهر التي تأسست عام 922م إحدى أشهر الجامعات التقليدية في الإسلام، وكانت الكتب تقدم هدايا للطلاب، وكان كثير من العلماء يهدون كتبهم إلى مساجد مدنهم لضمان حفظها ولتكون متوافرة للباحثين الذين يرتادون المساجد، ومن هنا نشأت فكرة كرسي الأستاذ حيث نجد حلقة علم لطلاب يجلسون على الأرض مجتمعين حول أستاذ يقعد على كرسي، وهو المحاضر، فإذا ما شغر أحد الكراسي لوفاة شاغله يحل مكانه من يخلفه مع مراعاة القدم والكفاية، وانطلاقًا من المثل العربي “لا تعليم دون كتب، فقد وجدت المكتبات في كل المساجد، والجامعات، بل وجدت المكتبات العامة وأشهرها مكتبة الجامع الأزهر في مصر، ومكتبة مسجد الزيتونة الجامعي في تونس، ومكتبة قرطبة في الأندلس، ومكتبة حلوان العمومية في بغداد، واحتلت بعض مكتبات شيراز وقرطبة والقاهرة مباني فسيحة منفصلة عن المسجد فيها غرف عديدة لأغراض متنوعة منها ما هو للقراءة وما هو لنسخ المخطوطات، أو للندوات الأدبية، ولتخزين الكتب على الرفوف، وانتقل الفصل للحديث عن الرياضيات التي بدأت مع عمل الخوارزمي بكتابه”الجبر والمقابلة" وحمل شعلته خليفته محمد الكرجي، وبعد ذلك أسهم عمر الخيام الشاعر في تاريخ الجبر، وتابع تطبيق الخيام شرف الدين الطوسي، وفي بيت الحكمة ببغداد نبغ أبناء موسى شاكر كعلماء رياضيات موهوبون، وكان ابن الهيثم أول من حاول تصنيف الأعداد الزوجية الكاملة، ويدفعنا هذا إلى القول باطمئنان إلى أن علماء الرياضيات المسلمون حققوا معظم التقدّم الذي حصل في الأساليب العددية فتمكن بعضهم من استخراج الجذور والكسور العشرية وتقريب الأعداد الجبرية، كما اشتهروا في الجبر ونظرية الأعداد وأنظمتها وأسهموا في علوم الهندسة والفلك الرياضي وعلم المثلثات، وفي مجال علم الكيمياء والنفط والأدوية مثل الأنسولين والبنسلين إلى الصناعات الكيمياوية التي أرسى دعائمها العلماء المسلمون الأوائل الذين كانوا رواد ثورة حقيقية في الكيمياء مثل جابر بن حيان (722-815) الذي أجمع العلماء على أنه مؤسس علم الكيمياء الحديث، والرازي الذي اشتهر بأنه مارس الكيمياء على أساس قواعد محدودة مثلما يفعل الكيمياويون اليوم، والكندي الذي تُرجمت جُل أعماله إلى اللاتينية لتضع أسس علم الكيمياء. وفي علم الهندسة نجد أن المسلمون اشتهروا بالتصاميم الهندسية المعقدة والأنيقة، التي كانوا يزينون بها مبانيهم التاريخية، واستخدم أبو سهل الكوهي (ت 1014م) نظرية المقاطع المخروطية لإنشاء الشكل السباعي، وكذلك المضلع التساعي، كما اشتهر في القرن العاشر الميلادي إخوان الصفا الذين سجلوا أفكارهم عن النسبة والتناسب في رسائلهم، كما برع عمر الخيام في الهندسة الجبرية، ووضع الطوسي نظريته الهندسية للعدسات، وفي مجال الفن والزخرفة العربية لم يركز الفنانين والمزخرفين المسلمين اهتمامهم على موضوع محدد، بل أن المصفوفة المتأرجحة من النماذج الهندسية تبين كيف استكشف الحرفيون المسلمون مفهوم اللانهاية بفضل التكرار الرياضي، وفي جزئية الكاتب أوضح المؤلف أنه إذا كان القلم رمز المعرفة فإن الخط فن تعبيد في ذكر الله، وأوضح أن المسلمين اهتموا بفن الخط العربي انطلاقًا من مقولة الخليفة الراشدي الرابع على بن أبي طالب “الخط الحسن يزيد الحق وضوحًا”، ووصل الخط العربي إلى أوروبا بطريق التجارة والهدايا المتبادلة بين بلاط الملوك الأوروبيين والملوك المسلمين، وقلد الأوروبيون الخط في البداية دون معرفة فحواه وفي عام 879 أعيد إنتاج كتابات كوفية من جامع ابن طولون في القاهرة نقلت إلى الفن القوطي في فرنسا أولاً ثم في بقية أوروبا، وعند الحديث عن قوة الكلمة اتضح أن الكثير من الكلمات العربية انتقلت إلى اللاتينية ومنها إلى اللغات الأوروبية الحية بمعناها الأصلي، وفي ركن القصة تذكر حكاية حي بن يقظان لابن طفيل، التي يرى المحرر أنها كانت نواة حياة روبنسون كروز ومغامراته الغريبة، واختتم الفصل موضحًا أن أول ظهور للجامعات الأوروبية ظهر في القرن الثاني عشر، معتمدة في مناهجها الدراسية على كتب العلماء المسلمين المترجمة ومتخذه من نظم التعليم لدى المسلمين نظامًا لها.

أما الفصل الثالث: المعنون السوق، فأوضح أن العالم الإسلامي منبع المعرفة ومصدر النفوذ والإبداع، يدعمه اقتصاد ضخم عبر ثلاث قارات، فدفع ذلك المغامرون والمبدعون المسلمون لإنتاج سلع بمعدل سريع وقفزات واسعة في التكنولوجيا بمجالات صناعية عديدة، بدءًا بالنسيج حتى الكيميائيات مما أدى إلى انغماس أعداد كبيرة من الناس في قطاعات الإنتاج المزدهرة المتنوعة.

ولما كان الطب – على حد تعريف ابن سينا له – “علم يعرف به أحوال البدن من جهة والصحة أو زوالها ليحفظ الصحة الحاصلة ويستردها زائلة”، فقد اهتم المسلمون بالطب اهتمامًا خاصًا، ولهذا فقد خصص المحرر الفصل الرابع: المستشفى، لتناول تطور المستشفيات، وأدوات الجراحة المستعملة التي كانت في غاية التقدم، ولا تزال الملاقط التي ابتكرها الجراحون المسلمون تستخدم حتى اليوم، وهي واحدة من الأدوات التي طوروها قبل أكثر من ألف سنة.

وتحدث الفصل الخامس عن المدينة: والذي تناول فن العمارة الإسلامية، وخاصة تخطيط المدن، مثل قرطبة وبغداد والقاهرة، في تجربة حضارية راقية تتصف بحرية التعليم والرعاية الصحية وتوفر وسائل الراحة من الحمامات ومحال الكتب والمكتبات وعربات تجميع القمامات والصرف الصحي والمجاري تحت الأرض، وشوهدت فيها آلات رفع الماء، والنوافير، وتجلت هندسة العمارة في أسمى معانيها.

وخصص الفصل السادس: العالم. لدور العلماء المسلمين في دراسة كوكب الأرض، فكان الترحال في أنحاء العالم معروفًا لدى المسلمين انطلاقًا من قوله تعالى “فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه”، وكانت رحلات الحج والرحلات في طلب العلم وبهدف التجارة، مشهورة، بالرغم من افتقارهم إلى الطائرات والقطارات والسيارات، فقد اشتهر المسلمون باكتشاف عالمهم بالمشاهدة، وبالتجربة، فكانوا يلاحظون ويراقبون ويحسبون ما في محيطهم لكي يحفظوا البيئة وينظموها، فقد ناقش البيروني نظرية دوران الأرض حول محورها قبل غاليليو بستمائة سنة، ودرس أيضًا حركتي المد والجزر، وعلل آخرون زرقة السماء، وبينوا كيف يحدث قوس المطر، وقاسوا محيط الأرض، ويعود الفضل في تقدم البحث بهذا الميدان إلى علماء الفلك المسلمون.

أما الفصل السابع والأخير: الكون، فقد تناول إسهامات المسلمين في علم الفلك، فقد كان المسلمون بحاجة إلى معرفة أوقات الصلوات اليومية التي تعتمد على مواقع الشمس، وتحتاج إلى معرفة اتجاه مكة في أي مكان جغرافي، واحتاجوا كذلك إلى تحديد الصيام والأعياد التي تقوم على دورة القمر في التقويم الهجري، وبفضل هذه الدوافع حقق المسلمون اكتشافات صنعت عهودًا جديدة في التاريخ والفكر، كأول تسجيل لنظام النجوم خارج مجرتنا، والتباين الثالث لحركة القمر، وطوروا أدوات أرست قواعد علم الفلك الحديث، وشملت هذه الأدوات الكرات السماوية والمحلقات لتمثيل مواقع الدوائر الرئيسة في الكرة السماوية، والاسطرلاب، والسداسيات لقياس ارتفاع الأجرام السماوية.

واختتم الكتاب بتعريف لبعض الشخصيات من الماضي، أسهموا في ألف سنة من الاختراعات: بديع الزمان الجزري (توفي بعد 1206م)، عباس ابن فرناس (ت 887م)، أبو يوسف يعقوب الكندي (801-873م)، أبو القاسم الزهراوي (936-1013م)، فاطمة الفهري (ت 880م)، أبو على الحسن بن الهيثم (965-1039م)، مريم العجلية الأسطرلابية (944-967م)، أبو عبد الله بن بطوطة (1304-1368م)، أبو موسى جابر بن حيان (722-815م)، خوجة معمار سنان باشا (1489-1588م)، الصيني زينغ هي (1371-1433م)، وعقول أوروبية رائدة انخرطوا في أعمال إبداعية وابتكاريه، وأسهموا في العلك والاكتشاف في العصر الحديث: روجر بيكون (1214-1292م)، ليوناردوا دافنتشي (1452-1519م)، نيكولاس كوبرنيكوس (1473-1543م)، تايكو براهة (1546-1601م)، يوهانز كيبلر (1571-1630م).

بعد مطالعة الكتاب، سينجلي لك عصر حضاري ذهبي امتد من نحو عام 700م إلى ما بعد عام 1600م، لأن المسلمين في أثناء العصور الأوروبية الوسطى كانوا رواد ميادين علمية متنوعة، بمختلف فروعها، فلم يكن حقل من حقول المعرفة غائبًا عن اهتمامهم أو بعيدًا عن عقولهم في تقصياتهم المعززة بالتجارب العلمية الصارمة، فهما بحق رحلة استكشاف “ممتعة ومحفزة” عبر ألف سنة من العلوم والتكنولوجيا في حياة رواد العصور الوسطى الذين أسهمت مخترعاتهم وإبداعاتهم في ولادة عالمنا المعاصر.

عن موقع جريدة الحياة

جريدة الحياة

“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)