أقصر طريق لحل المتاهة، فاطمة المحسن (السعودية)، نصوص منشورات ضفاف 2015

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الثلاثاء، ١٢ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٦
جريدة الحياة
سلمان السليماني


أشياء فاطمة المحسن تقيد نفسها في متاهة


«لا تجد عزلة «أشياء» فاطمة المحسن نفسها وقد تخلصت من تشيوئها -أي حالتها كأشياء- إلا باستعارة وجدان الحياة، الدفق المتواصل للحياة، سواء أكان ذلك بأقصر طريق لحلها لعقدة هذا التشيؤ، وهذا ما يجعلها توغل في تيهها، بواسطة إطالة أمد التيه، أم بجمع أكبر قدر ممكن من إمكانات ظهور هذه الأشياء على هيئات وصور ضبابية تتخذ في كل لحظة حالة، بعد حالة.

في نصوص «أقصر طريق لحل المتاهة -منشورات ضفاف 2015» للكاتبة السعودية: فاطمة المحسن، تتمرد الأشياء، تريد أن تتحول إلى وجدان في مواجهة الضياع المادي، تريد أن تتلون، أن تخرج من اللون الرمادي الذي هو في النهاية ليس لوناً، تقول فاطمة: «... والرمادي ليس لوناً على الإطلاق: إنه اليأس» أما الأبيض فهو الحياة، الرغبة في الحياة، التطلع للخروج من متاهة لعبة الألوان الممزوجة بالمادية الدنيا: «حجة الأبيض قوية وإداناته قاطعة...» لكن! لماذا يتحول الأبيض-الحياة، إلى ضعف، ويصر على أن لا ينجو من المتاهة، تكمل فاطمة وتقول: «... لكنه سريع الاستسلام». وتعني بذلك، اللون الأبيض.

في لحظة من شغف الكتابة، تتحول الكتابة إلى أنا الكاتبة، أو بالعكس، تكون الكاتبة هي الكتابة فتقول: «أركض في هذا الطريق منذ سنين؛ لأنه فاتني أن أسألهم ما هي علامة الوصول؟)، لذلك فإن الكتابة في متاهة، الكتابة التي تنطق عن الكاتبة، الكاتبة التي تنطق عن الكتابة، وكأن الاثنين في تسارع دائم نحو الهدف، ذلك الهدف الذي لم تظهر علامة انتهائه وتحققه في كتابة الأنثى التي مهما بعدت تظل تسعى نحو الهدف، الهدف الذي تتغير معالمه في كل لحظة وبرهة وزمان؛ لأن الكتابة دائماً في سعي حثيث لتعميق الهاوية والهوية، وفي بحث مضنٍ لحل المتاهة، ولكن بعكس الفعل: أقصر طريق؛ إنما هذه صيغة للخروج من متاهة والدخول في متاهة أخرى، لتستحيل معها لعبة الكتابة عند فاطمة المحسن لعبة لا نهائية، لعبة أبدية، تيه في تيه، يستعير دائماً متاهة بورخيس الأسطورية التي هي في إحدى صورها «صحراء» الملك الشرقي التي أطلق فيها الملك الغربي، الذي سخر منه عندما ألقاه الأخير في متاهة معدنية من صنع الإنسان؛ هنا تَصنع الكتابة متاهتها أو تكتشفها وتلقي بنفسها في دهاليزها التي لا تنتهي حتى وإن استطاعت أن تحلها بأقصر طريقة ممكنة.

«الأرق قد يولد تافهاً من فكرة باهتة مثل أن عمود الكهرباء شجرة تخلت عن طموحها»، كيف يستطيع القارئ أن يربط بين تفاهة الأرق وتخلي الشجرة عن طموحها؟ هذه هي فكرة الكتابة الجديدة عند الكتّاب السعوديين الجدد، الكتّاب الذين تتلمذوا على النص العبثي، النص التائه، النص الذي لا يُلزم صاحبه ولا قارئه، كل ذلك بفعل تكثيف الرمادي اليائس، وقسوة الأبيض الحياة، الأبيض الواضح، الدفق الكتابي الذي تعطل في منتصف الطريق لوجدان هؤلاء الكتّاب: «الأسود غفوة الألوان». إنه ليل الكتابة، الأرق الذي يولد تافها من فكرة تافهة..!

تقول فاطمة في مكان آخر، لتبين موقفها من الحياة بشكل واضح كالأبيض يائس كالرمادي: «نجلس أنا والحياة على كرسيين متقابلين، وهذا الوضع محرج لكلانا»، من هنا تتشكل مواقف الكتابات المتتابعة في نصوص فاطمة المحسن، فهي لم تتخذ قراراً تجاه الحياة، لم تكن حاسمة في ما يخص مصيرها، هل هو التيه المتعمد، أو الخروج من المتاهة بأقصر طريق ممكن. يظل موقف الكتابة قلقاً بشأن هذا التحرر، خائفاً من الانفلات واجتراح صور جديدة غير نزقة ومنفعلة ومكتومة، فالقارئ عندما يتتبع نصوص الكتاب يجد أنها تحصره في تصور دقيق ومُلح، ومأسوي في طرحه المتشدد الضيق، فالكتابة لدى فاطمة لا تسمح للكتابة نفسها بأن تتنفس وتعلن نفسها خارج المتاهة، والدليل أن العنوان يحصر النصوص في الضياع، على رغم الرغبة الكامنة في النص على الخروج بأقصر طريقة، الرغبة المزيفة في اجتراح الحلول البسيطة التي تبدأ بسيطة، ثم ما تلبث أن تتعقد في تواشج كتابي شبيه بصداع يطرق أبواب الهدوء:

«الشوق لحوح كمتسول. الشوق نقرات خاطئة على بيانو. الشوق زكاة الحب. الشوق سماء حمراء، عش مهجور، دبوس في ياقة، حبات عنب فاسدة، وخصلة شعر مكهربة» كل هذا التوتر في الشوق! ماذا سيكون الهجر يا تُرى في متاهة فاطمة المحسن الكتابية؟ هذا ما يستشعره القارئ في إلحاح النزق في نص المحسن المكهرب، الذي يشبه سن قلم رصاص مبري بقلق «قد تبدو عباراتي موجزة، لكن الحقيقة أني أجتهد في بريها»؛ تصر الكاتبة على غرز دبوس الكتابة في ياقة القارئ، لا تريد أن تفلته، هذه رغبة الكاتبة، لكن ماذا عن القارئ هل يحتمل كل هذا الوخز إلى نهاية الكتاب؟

«أعرف الناس إلى حد لا يعطيهم الحق في احتضاني عندما نلتقي مرة أخرى. مهارة المعرفة بمسافة حضن»، منذ عنوان الكتاب تصرح الكاتبة بغير ما في النصوص، تلعب لعبتها لكي تبقي القارئ في أقرب نقطة في الوقت الذي تعرف أنها بعدم ثقتها بنصها، أو بالأصح بثقتها بأن نصها الحاد قد يجعله ينفر من الضيق المتمكن، من الضياع الموغل في العزلة، الكتابة هنا في «أقصر طريق لحل المتاهة» لا تريد أن تخرج من المتاهة فقد اندمجت ألوان المتاهة العزلة، مع ألوان النص والكلمات والكتابة، حتى تحولت إلى اللون الرمادي اليائس اللون الذي لا لون فيه.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)