رأي

أطول من أذني الحمار الشرق الأوسط اللندنية

, بقلم محمد بكري


جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الثلاثـاء 05 ذو القعـدة 1434 هـ 10 سبتمبر 2013 العدد 12705
الصفحة : الــــــرأي
سمير عطا الله


في العلوم أن «الإنسان حيوان ناطق». في الحقيقة أنه كائن ملول. ولم أقرأ يوما عن صدور كتاب «غينيس» للأرقام القياسية في أي غابة من الغابات. يولد الفيل قادرا على سرعة محددة ولا يحاول أن يتجاوزها. الإنسان يتناول المنشطات المزورة لكي يثبت تفوقه. الحملان ترعى ما تقدم لها من قشر الحمص. في لبنان، أعددنا أكبر جاط حمص في العالم.. في التاريخ. أي عالم؟ أي تاريخ؟ لماذا ليس ألف صحن حمص مفيد لإطعام ألف فقير؟ وأيضا أكبر صحن تبولة في التاريخ. أي تاريخ البقدونس والبرغل. لماذا ليس اختراع دواء بسيط أو تأليف جمعية خيرية. وما فائدة البشرية بدخول كتاب «غينيس» حاملا جاطا من التبولة وطبقا طويلا من الحمص؟

الإنسان كائن ملول لا يكف عن تحطيم أرقام نفسه. ماذا اكتشف ما لم يكن يعرفه عندما وصل إلى قمة إيفرست؟ لماذا هو دائما ذاهب إلى الفضاء أو عائد منه؟ ماذا تشكو رحلة في القطار من فيينا إلى سالزبورغ. ذهابا وإيابا؟ التذكرة عليك وكل المشاهد من النافذة مجانية. وآداب النمساويين. وموسيقى باخ. عندما أسأل ابنتي: ما ألطف الساعات؟ تقول: إذ أنا معكما في الحديقة وموسيقى باخ من قرب.

لكن الإنسان ملول. الفيل يأكل ويقيل. العصافير تهزج وتنام على غصن واحد. الإنسان يبحث على الغداء أسعار الأسهم وحركة النقل وسعر الفائدة وهبوط الفضة وثروات معارفه ومشاريع كارلوس سليم. كل الأشياء التي تسبب له المغص والقرحة. الأفيال في قيلولة إلا إذا كان خلفها مخلوق يطاردها لذبحها من أجل أن يبيع عاجها. أنيابها تتحول إلى تاج وأنيابه إلى اهتراء.

كل يوم يتحدى نفسه. ثم يشاهد حياة الحيوان على الوثائقيات ويحسدها. لا دليل على أنها خاضت يوما حربا عالمية. أو أصدرت مجلة شتم وابتزاز باسم الفضيلة. أو تصرفت مثل أهل رواندا. أم كمنت للعسكر في سيناء. أو حشت نفسها بارودا لكي تفجر مخلوقات لا تعرفها. أو تعاونت وتكاتفت من أجل إعداد طبق حمص يسجله فاضي البال والأشغال «غينيس». وأنا لا أعرف إن كان «غينيس» هذا رجلا أو امرأة أو روضة أطفال، لكنني أعرف أنه سجل أمجاد لبنان الجديدة تحت فصل الحاء. حمص.

في القديم، ورد ذكر هذا البلد تحت فصل الألف: الأبجدية، وألف الأرجوان، اللون الذي اخترعته صور وحولته إلى أوسع تجارة في بحار العالم. لم يكن المدعو «غينيس» قد ولد ليحمل دفترا وقلما ويسجل طول طبق الحمص، باب الحاء في الأبجدية: حائط، حائر، حاد. حمص يا بلدي. بمعنى يا بلادي لا بلدياتي. بلد كان يفاخر في عصره بأنه أرض المائة شاعر وجنان فيروز وعباقرة الانتشار، فصار في عصرنا مآثره الحمص بطحينة مع رشة بقدونس وكزبرة.

الإنسان ملول. وأحيانا يدفعه ملله إلى السخف. والحيوان عبقري، ليس «غينيس» في حساباته أو في قراءته. أطلق الإنسان على المخلوقات الأخرى ما استنسب من الأسماء. وسمى الداب المخلص والكدود وصاحب الأحمال والأفضال، حمارا. أما هو، فعبقري يتكون في مجموعات لإعداد أطول طبق حمص. وهناك أبواب أخرى في عناوين السيد والسيدة «غينيس»، أهمها كيف تجعل ذكاءك في خدمة عكسه.

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)