أسعد الله مساءكم، زافين قيومجيان (لبنان)، تاريخ هاشيت- أنطوان - 2015

, بقلم محمد بكري


جريدة الأخبار اللبنانية


العدد ٢٦١٢ الخميس ١١ حزيران ٢٠١٥
جريدة الأخبار
ميديا


حكاية اسمها لبنان

«أسعد الله مساءكم» يا أهل الزمن الجميل


زينب حاوي


إنه الإصدار الثالث لزافين قيومجيان بعد «لبنان فلبنان» (دار النهار ـ 2002) و«شاهد على المجتمع» (2013 ـ أكاديميا)، يطل كتاب «أسعد الله مساءكم- مئة لحظة صنعت التلفزيون في لبنان» (هاشيت- أنطوان) بعد خمس سنوات من الجهد والبحث. هذه المرة، أبحر الإعلامي اللبناني في السنين الأولى لتأسيس التلفزيون في لبنان (1959) وصولاً الى عام 1989: ثلاثون عاماً من ذاكرة شعبية حبلى بالأحداث والتغيرات الجذرية في العالم المرئي المحلي. سرد هذه السنوات سيحيلنا بالتأكيد على عمل مضنٍ تطلّب العودة الى أرشيف ضخم ومشاهدة مئات الساعات التلفزيونية، عدا تلقف آثار جزء من هذه الذاكرة التي لم تؤرّخ بسبب غياب التسجيل وقتها، وحضور البث المباشر بثقله. تكمن أهمية هذا التأريخ والتوثيق لهذه الحقبات بحلوّها ومرّها، في ندرة الأبحاث والمنشورات التي تتحدث عن تاريخ التلفزيون في لبنان. إبحار بالزمن الى 4 حقبات كما قسّمها الكتاب وتسجيل لأبرز وأهم اللحظات التلفزيونية ضمن مئة لحظة.

الكتاب الذي يمتد لـ 315 صفحة، يتمتع بلغة مشوّقة وحيوية تنتشل النصوص من الملل المفروض على السرد التاريخي، فاتحة نافذة للقارئ على عالم غنيّ بالمعلومات والصور النادرة منها والمنتشرة. بعد مرور 55 عاماً على ولادة التلفزيون في لبنان، يولد «أسعد الله مساءكم... مئة لحظة صنعت التلفزيون في لبنان» ليعّرف الجيل الحالي على أيقونات الماضي الجميل ولحظات أحدثت الفرق في هذا العالم.


نجيب حنكش وبارعة مكناس في لقطة ترويجية في نيسان 1971


يطل على مرحلة الحرب الأهلية والشرذمة التي خلّفتها في النفوس وضمن المناطق اللبنانية، ويقف عند نهاية العقد التاسع بعيد نشوء «المؤسسة اللبنانية للإرسال» (1989) والنقلة التي أحدثتها بعد سنوات من هذه الانطلاقة.

الحديث عن هذه الحقبات، يحتاج إلى التوثيق الدقيق والعلمي. وهذا ما فعله الإعلامي اللبناني الذي أرّخ باليوم والسنة واليوم وحتى الساعة لهذه اللحظات التلفزيونية. ورغم سطوة السرد وضرورة الالتزام بمسار معين يخفي الذات ويترك للتاريخ أن يتحدث، الا أنّ هذا الكتاب خلط بين الذاتي الى درجة تمرير التعليقات والنقد في إيجابياته وسلبياته، وبين الموضوعي الذي التزم أصول التوثيق العلمي.

يدشن الكتاب بالحديث عن نشأة التلفزيون في لبنان (1959) بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبدء مرحلة الحرب الباردة، واستثمار صناعة التلفزيون بغية «توحيد الشرائح اللبنانية» وكسر «عزلة» المناطق وقتها.

وفي الانتقال الى العقود التالية، تنتقل المفاهيم وتتبدل. في العقد السادس وتحديداً عام 1964، حضر الريف بقوة على التلفزيون من خلال تصدير قيمه وتجسيدها عبر شخصيات طبعت هذه المرحلة أمثال «أبو سليم» و«أبو ملحم». في هذه الفترة، انتشرت أجهزة التلفزيون بشكل أوسع من المناطق الساحلية لتشمل المناطق النائية. وهنا يسجل غياب لأرشيف كامل طبع هذه المرحلة بسبب النقل المباشر بدل التسجيل. لكن مع ذلك، استطاع هذا الجهاز وما يحويه من إحداث ثورة كما يروي الكاتب.

بعدها، انقلبت المفاهيم وتعززت الثقافة المدينية وظهر برنامج «استديو الفن» (1973) على يد المخرج سيمون أسمر والى جانبه الراحل رياض شرارة الذي حلّ مكان نجيب حنكش في سرد الطرائف والنكات. في فترة السبعينيات، سجلت الاستعانة بالمذيعات ليكنّ وجوهاً جديدة في الدراما اللبنانية ويكرّسن لاحقاً كأبرز نجمات هذا العصر وما تلاه: ألسي فرنيني، نهى الخطيب سعادة، وهند أبي اللمع.


إبراهيم مرعشلي في لقطة من حلقة «الشاهد المزعج» في مسلسل «المفتّش»


ومع الانتقال الكلّي الى عصر التصوير الملّون (1975)، كانت ولادة لنشرتين إخباريتين تعززان الانقسام الطائفي بين قناتيّ تلة الخياط والحازمية في بداية شرارة الحرب الأهلية، الى أن وحدتا ووحدت معهما القناتان بعد عامين في عهد الرئيس الياس سركيس إبان تسلم شارل رزق لمهامه كمدير عام فيها، وتصبح القناتان «تلفزيون لبنان». في بداية الثمانينيات عهد أفول الشيوعية وهيمنة الرأسمالية والقيم الاستهلاكية، سجلت أسوأ فترة للتلفزيون اللبناني بوصفه أداة بروباغندا حزبية. تعطلت حركة الإنتاج الدرامي وقتها. في هذه الفترة، عادت وانقسمت الشاشتان عقب «انتفاضة 7 شباط» (1984) التي قامت بها «حركة أمل» في عهد الرئيس أمين الجميل.


فيروز أثناء تؤدي أغنية «أنا لا أنساك فلسطين» في حزيران (يونيو) عام 1967


ولعلّ الحدث الأبرز هنا ولادة مقدمات نشرات الأخبار التوجيهية. مع ولادة lbc عام 1988، بدأ انتقال جديد في صناعة التلفزيون وبرزت تقنيات استخدمت للمرة الأولى كالبث المباشر، إضافة الى العمل على إبراز صورة نقية تتمتع بقوة إرسال عالية.
ومع كل هذا المرور على الحقبات، يتوقف الكتاب في كل حقبة عند وجوه نسائية في الغالب: سونيا بيروتي ومرحلة قلبها لمعايير المذيعة الجميلة، مادلين طبر، نجوى قزعون (أول وجه يطل على شاشة شركة «تلفزيون لبنان»)، وأيضاً عند افيشات الإعلانات التي تطوّرت مع مرور الزمن. 4 أقسام تقدم كل منها توطئة تاريخية سردية، لتكرّ بعدها سبحة تسجيل المئة لحظة تلفزيونية التي اختارها الكاتب بين ملايين اللحظات. هكذا نبحر في غمار هذا الكتاب ويستذكر الجيل الماضي ما حدث، ويتعرّف الجيل الحالي إليها: انتخابات ملكات الجمال اللبنانيات، ظهور فيروز وشوشو، أجرأ وأطول قبلة في الدراما اللبنانية، زواج صباح، ارتباط نجيب حنكش، لحظة وفاة فريال كريم على المسرح...


الأخوان سعادة، يحملان الممثلتين المصريتين نبيلة عبيد وسامية شكري عام 1969


كتاب غني ومشغول بعناية يضعه زافين قيومجيان بين أيدينا، ليكون مرجعاً في تاريخ التلفزيون اللبناني، على أن يستكمل في العام المقبل جزؤه الثاني الذي يدخل في عصر التلفزيون الحديث من التسعينيات حتى اليوم. ولا شك في أنّها أيضاً رحلة صعبة وشاقة يخوضها الإعلامي اللبناني ليستكمل «Puzzle» أكثر جهاز أدخل المتعة والدهشة، وأيضاً السطحية والإثارة الى بيوت الناس: إنه التلفزيون في لبنان.

عن موقع جريدة الأخبار اللبنانية

 المقال في جريدة الأخبار اللبنانية بالـ pdf


مقالات «الأخبار» متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، ٢٠١٠
(يتوجب نسب المقال الى «الأخبار» ‪-‬ يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية ‪-‬ يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص)
لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا



جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط
الأربعاء - 29 شعبان 1436 هـ - 17 يونيو 2015 مـ
الصفحة : يوميات الشرق
بيروت : فيفيان حداد


رحلة شيقة في عالم الإعلام المرئي اللبناني على مدى 30 عامًا

تتضمن سردًا موثقًا لـ100 لحظة صنعت التلفزيون


الإعلامي زافين قيوميجيان خلال حفل توقيعه كتابه «أسعد الله مساءكم» وإلى جانبه إحدى نجمات الكتاب المذيعة دوللي غانم


كلّ ما ترغب في أن تتذكّره عن الزمن الجميل لصناعة التلفزيون في لبنان، جمعه الإعلامي زافين قيوميجيان في كتابه «أسعد الله مساءكم» الذي وقّعه في مكتبة أنطوان في مجمّع «سوق بيروت».

فكما نجيب حنكش وعزّ الدين الصبح وليلى رستم وحسن المليجي، الذين شكّلوا رموزا لا تنسى من تلفزيون لبنان في الماضي، كذلك في استطاعتك وأنت تتصفّح هذا الكتاب أن تستعيد ذكرياتك لإطلالات إعلاميين آخرين مثل سونيا بيروتي وغابي لطيف وريموند انجلوبولو ومها سلمى والراحلين رياض شرارة ولبيب بطرس. وفي الكتاب استعادة لبرامج تلفزيونية ما زالت تطنّ في ذاكرتنا كـ«أبو ملحم» و«أبو سليم» و«استوديو الفن»، التي ساهمت في صناعة الحقبة الذهبية للمرئي في لبنان بدءا من عام 1959 حتى عام 1989.

هذه الرحلة الشيقة والممتعة في عالم الإعلام المرئي، ورغم أن تلفزيون لبنان الرسمي استأثر بالقسم الأكبر منها كونه كان بمثابة الشاشة الصغيرة الوحيدة في تلك الحقبة، لوّنها زافين قيوميجيان ببدايات أوائل الثمانينات حين بدأت تطلّ على المشاهد اللبناني شاشات فضّية أخرى افتتحتها محطة «إل بي سي» يومها.

وبما أن هذا المشوار طويل ويتضمن تفاصيل صغيرة كثيرة، فقد حاول الإعلامي اللبناني الأرمني الأصل أن يوثّقها في جزء أول، على أن يكملها في المستقبل القريب بجزء ثان يلقي فيه الضوء على الشاشات التلفزيونية الأخرى التي لعبت دورها الريادي أيضا في مجال الإعلام المرئي.

«خلال تصويري أول نشرة أخبار أقدمها على شاشة تلفزيون لبنان، طلب مني المخرج صبري الشريف أن أتخيل أهم الأحداث التي ساهم تلفزيون لبنان في تغطيتها. وسألني أن أنظر إلى الكاميرا وأقول مع ابتسامة عريضة (أسعد الله مساءكم)... لم أكن أدري أنني سأكون رسميا آخر من ينطق بهذه العبارة على الشاشة اللبنانية بعد دخولها زمن (مساء الخير)». بهذه الكلمات روى زافين قيوميجيان قصّته مع عنوان الكتاب الذي استغرق إعداده خمس سنوات من البحث والتدقيق في أرشيف مؤسسات عدة كـ«دار الصياد» و«تلفزيون لبنان». وبعدها استطاع أن يوثّق لحظات تاريخية من الإعلام المرئي بالصور والمعلومات تبدأ حكاياتها من حقبة الأبيض والأسود.

319 صفحة كتبها زافين بشغف الإعلامي المتعطّش لأيام التلفزيون الذهبية، فهو يعدّ واحدا من وجوه تلفزيون لبنان عندما كان أحد مراسلي ومقدمي نشرات الأخبار فيه من عام 1992 حتى 1999. فذكر وبالتفاصيل أهم وأبرز تلك المحطات. كما أنه لم ينس أن يذكّرنا برموز فنية وأخرى إعلامية ما زالت أسماؤها تحفر في ذاكرتنا حتى اليوم رغم مرور أكثر من 40 عاما على رحيلها أو اعتزالها مهنتها بسبب تقدّمها في العمر أو تركها أرض الوطن إلى غير رجعة بداعي الهجرة.

ويستهلّ الكاتب مجلّده بصورة للراحلة صباح التقطت لها خلال مقابلة تلفزيونية أجرتها في تلفزيون لبنان، وليلحقها فيما بعد بصور أخرى للممثل الراحل ايلي صنيفر (أحد أعمدة الدراما في لبنان)، ولمؤسس «دار الصياد» الراحل سعيد فريحة وإضافة إلى أخرى تظهر نجبيب حنكش (أول من قدّم برامج حوارية فنية على الشاشة الصغيرة)، والفنان راغب علامة الذي يقف إلى جانب الموسيقي والمؤلف المسرحي روميو لحود عندما اطلّ لأول مرة على اللبنانيين كهاو للغناء في برنامج استوديو الفن في عام 1980. جميع تلك الصور الفوتوغرافية التي أخذت بالأبيض والأسود كانت بمثابة مقدّمة مقصودة من الكاتب لقرائه ليحدث لديهم خضّة إيجابية في ذاكرتهم لتفتح باب شهيتهم على قراءة باقي محتويات الكتاب بنهم.

فمن الصفحة الأولى للكتاب لعب زافين على أوتار نوستالجيا الزمن الجميل لدى اللبناني، فعرف كيف يشدّه إلى ماض ما زالت جذوره متشبثّة في ذاكرته، ومعالمها تنبض في قلبه. فهي استحدثت شرارة الحنين لأيام العز، التي لا يمكن أن يستعيد لحظاتها القارئ دون أن ترتسم ابتسامة عفوية على ثغره وهو يقول: «رزق الله على تلك الأيام».

عام 1959 وصل التلفزيون إلى لبنان، ومن هناك بدأت قصّة المشاهد اللبناني مع الشاشة الصغيرة وبقي مشدودا إليها حتى اليوم. وكان من البديهي أن يستهلّ صاحب برامج «بلا طول سيرة» و«سيرة وانفتحت» و«عالأكيد»، كتابه بأول وجه تلفزيوني أطلّ على اللبنانيين في السادسة من مساء 29 مايو (أيار) من عام 1959 متمثّلا بنجوى قزعون. في تلك الليلة رحّبت أول مذيعة تلفزيونية في لبنان بالمشاهدين داعية إياهم ومباشرة على الهواء لمتابعة برامج أول سهرة تلفزيونية من المدينة الرياضية حيث كان يقام معرض صناعي تجاري كبير.

افتتح الإرسال بعدما جرى نقل وقائع تدشين رئيس الحكومة يومها رشيد كرامي للمعرض، تلاه عرض فيلم وثائقي فرنسي فبرنامج غنائي فني أحيته آنذاك كلّ من المغنية نزهة يونس والراقصة كهرمان. أعد هذه الفقرة نائب مدير البرامج في تلك الآونة جان كلود بولس وأخرجها البريطاني مايكل مايلز.

وينقلنا الكتاب بعدها إلى حملة الإعلانات التجارية التي شهدها لبنان حينها، تروّج لأجهزة تلفزيونية من ماركات مختلفة مثل «فيليبس» و«نيفيكو» وغيرها لحثّ اللبنانيين على شرائها. فصحيح أنه أصبح للبنانيين محطة تلفزيونية (تلفزيون لبنان والمشرق)، ومركزها تلّة الخيّاط ولكن كان يلزمهم جهاز تلفزيوني لمتابعتها فاقتضى التنويه.

نهى الخطيب سعادة وهند أبي اللمع ولمياء فغالي وفريال كريم وأبو سليم الطبل وفهمان وشوشو وايلي ضاهر ومحمد شامل وكثيرون غيرهم، من فنانين يمرّ الكتاب على ذكر أدوارهم في تحريك عجلة برامج أول شاشة تلفزيونية أسست في لبنان.

وتستوقفك صفحة 114 من الكتاب لتأخذك إلى وجوه معروفة شكّلت رموزا إعلامية في الستينات ما زالت عالبال. فكما ناهدة فضل الدجاني كذلك شارلوت وازن الخوري و«ماما عفاف» و«الصديقة جنان» وسعد سامي رمضان وفريد جبر وعادل مالك وكميل منسى، الذين شغلوا الدنيا في تلك الحقبة من خلال ربطهم الفقرات التلفزيونية من ناحية وتقديم نشرات الأخبار وبرامج منوعّة من ناحية ثانية.

«أسعد الله مساءكم» يزوّدك أيضا بمعلومات عامة لم يسبق لكثيرين أن عرفوها عن كواليس أحداث جرت في تلفزيون لبنان. ففي برنامج «سجلّ مفتوح» لعادل مالك، أشكال حدث حول حلقة كانت ستستضيف وزير الاقتصاد اللبناني يومها سليمان فرنجية. فظهوره على الشاشة شكّل مخاوف للمكتب الثاني التابع للحكم الشهابي (الرئيس فؤاد شهاب)، حينها حيث تمّ الضغط على تلفزيون لبنان من خلال إصدار مذكرة من رئيس الوزراء رشيد كرامي بحصر إطلالات الوزراء الإعلامية في شؤون وزاراتهم. فتم إلغاء الحلقة التي كان من المتوقع أن تكون استثنائية كون الوزير فرنجية لم يكن مؤيدا للخط الشهابي الحاكم.

ومن السياسة معلومة أخرى يزوّدك بها الكتاب تتعلّق بزواج نجيب حنكش (نجم برامج المنوعات)، الذي أعلن في الأول من نيسان من عام 1971 من زميلته المراسلة الإخبارية بارعة مكناس (والدة أمل علم الدين). هذا الحدث شكّل مفاجأة غير متوقعة للبنانيين يومها. فأن يتزوّج أشهر عازب في لبنان فتاة أصغر منه بـ40 عاما لا يمكن أن يمر مرور الكرام عليهم.

ومع الوصول إلى الصفحات الأخيرة لـ«أسعد الله مساءكم»، تتنوع المعلومات التي تردك منه على التوالي. فهو يروي تارة قصة نجاح 40 لحظة في أربعين مسلسلا. فيعيد شريط ذكرياتك إلى «الغروب» (مع محمود سعيد وهند أبي اللمع) و«حتى نلتقي» (مع نهى الخطيب سعادة وجهاد الأطرش) و«المفتّش» (مع وحيد جلال ونخبة من الوجوه التلفزيونية) و«الأبله» المنقول عن قصة لدوستويفسكي، و«صحّ النوم» (مع دريد لحام ونهاد قلعي) و«مذكرات ممرضة» (السي فرنيني وجورج شلهوب).

كما يروي لغز سقوط المشترك جاك كوندكجيان في برنامج «المتفوقون»، مرورا بقصة خطف مدير تلفزيون لبنان يومها شارل رزق ووصولا إلى استشهاد رئيس الجمهورية اللبنانية بشير الجميل وانتخاب شقيقه أمين بديلا عنه. ومن ثم ينتقل زافين إلى مرحلة تلفزيونية أخرى في منتصف الثمانينات مع ظهور محطة «إل بي سي» التابعة للقوات اللبنانية وبداية ولادة نجوم إعلام جدد مثل دوللي غانم وجيزيل حبيب وليليان اندراوس وغيرهم. ويختم الكاتب مع مطلع التسعينات وبزوغ اتفاق الطائف لينهي في الصفحة الأخيرة قائلا: «يبقى قانون المرئي والمسموع الذي رأى النور في 1994 الأول من نوعه في لبنان، ومعه بلغت صناعة التلفزيون مرحلة جديدة.. هي لحظات أخرى شهدت حقبة ذهبية جديدة سيكون لنا معها قريبا وقفة مطوّلة في الجزء الثاني من هذا الكتاب».

عن موقع جريدة الشرق الأوسط


جريدة الشرق الأوسط، صحيفة عربية دولية رائدة. ورقية وإلكترونية، ويتنوع محتوى الصحيفة، حيث يغطي الأخبار السياسية الإقليمية، والقضايا الاجتماعية، والأخبار الاقتصادية، والتجارية، إضافة إلى الأخبار الرياضية والترفيهية إضافة إلى الملاحق المتخصصة العديدة. أسسها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وصدر العدد الأول منها في 4 يوليو 1978م.
تصدر جريدة الشرق الأوسط في لندن باللغة العربية، عن الشركة السعودية البريطانية للأبحاث والتسويق، وهي صحيفة يومية شاملة، ذات طابع إخباري عام، موجه إلى القراء العرب في كل مكان.
لقراءة المزيد



جريدة الحياة


الثلاثاء، ١٢ أبريل/ نيسان ٢٠١٦
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


من تاريخ التلفزيون اللبناني إلى تاريخ لبنان الحديث


على رغم أن اللبنانيين بمعظمهم مستعدون اليوم ليقولوا لك أن هذه السنوات التي يعيشونها عند بدايات القرن الحادي والعشرين هي السنوات الأصعب في تاريخ هذا البلد، بل هي، ومنذ العام 2005 على الأقل، أصعب كثيراً من سنوات الحرب الأهلية (1975-1989)، فإن من يعود بالذاكرة إلى سنوات تلك الحرب سيستعيد لحظات وأياماً ومواقف ومجازر وضروب تدمير، كان أقسى ما فيها أنها أتت بعد عقود من الأحلام الكبيرة والأوهام الجميلة، كان لبنان يرقص فيها على فوهة بركان وينحدر دون أن يدري. خلال الستينات وحتى العام 1975، عاش لبنان بعض أجمل سنواته، لكنه لم يكن متنبهاً إلى أن الكارثة حتمية. بل لعله أحس بجمال تلك السنوات ورغب في أن يتمسك بها، تحديداً، لأنه كان يحدس بأن الكارثة قريبة. فهلا يمكننا أن نقول إن ثمة من بين اللبنانيين من لا يزال يتمسك بذكرى تلك السنوات محاولاً، في شكل خفي، أن يعيش إلى الأبد لحظات الأحلام والأوهام؟

لا شك في أن من بين هؤلاء اللبنانيين، عدداً كبيراً من الذين اشتروا وقرأوا كتاب «أسعد الله مساءكم» للإعلامي زافين قيومجيان، الذي يحمل عنواناً فرعياً هو «مئة لحظة صنعت التلفزيون في لبنان». ففي يقيننا أن ما من كتاب أو نص أو فيلم، عرف كيف يحمل نَفَس الحنين إلى لبنان الجميل، لبنان الوهم، قدر ما يفعل هذا الكتاب الضخم (نحو 320 صفحة من الحجم الكبير جداً). ومع هذا، تمكن مساجلة العنوان الفرعي للكتاب والقول إن كتاب زافين، أكثر مما يتحدث عن مئة لحظة صنعت التلفزيون اللبناني، يتحدث بالأحرى عن تلك اللحظات الغريبة التي صنعت لبنان نفسه في تلك المرحلة. لبنان الذي إذ ضاع إلى الأبد، ها هو زافين يضعه في كتابه/ المتحف. والحال أن استعمالنا كلمة «متحف» هنا ليس اعتباطياً في أية حال من الأحوال. ذلك أن الكتاب نفسه، بنصه البديع وصوره الكثيرة والرائعة، يبدو أشبه بكاتالوغ متحف لوطن في لحظة مفصلية من تاريخه.

حين فقدنا البراءة

زافين نفسه يقول في تقديمه لكتابه: «يجمع هذا الكتاب مئة لحظة تلفزيونية، هي أهم وأفضل وأشهر لحظات التلفزيون اللبناني في ثلاثة عقود... من لحظة التأسيس – تأسيس التلفزيون – في العام 1959، إلى تجارب البدايات في الستينات، والزمن الجميل في السبعينات، فالحرب في الثمانينات... وصولاً إلى العام 1989 وولادة الجمهورية الثانية». وكما يضيف مؤلف الكتاب «تختزل لحظات هذا الكتاب أحلام ثلاثة أجيال من اللبنانيين وخيباتهم، يرويها كما أظهرتها الشاشة الصغيرة، بعضها حاضر فينا، وبعضها ضاع وغاب... أو هكذا اعتقدنا. لا شيء يضيع في صندوق الذاكرة... ننسى وحسب لنتفاجأ في لحظة واحدة كم اننا نتذكر».

واضح أن هذا الكلام يصف الكتاب تمام الوصف، لكنه يبقى ناقصاً، وربما انطلاقاً من رغبة زافين في أن يكون، وربما على غير عادته، متواضعاً بعض الشيء وهو يدخل ملكوت التعبير بالأدب، الذي لم يكن يبدو عليه قبلاً انه بارع فيه. أو ملكوت التاريخ الذي لم يكن ليخيل إلى أحد أن في إمكانه أن يقطنه حتى وإن كانت برامجه التلفزيونية المختلفة والمميزة أكدت دائماً أنه صالح جيداً للتأريخ للذهنيات، خارج إطار التاريخ السياسي الكبير، أما هنا في نصوص هذا الكتاب فها هو يبدو مالكاً لناصية التاريخين معاً: التاريخ الكبير، الذي يلوح من خلال وصف لحظات الأحداث الكبرى والتوقف عندها، والتاريخ الآخر: تاريخ تبدلات الذهنيات، الذي يعرف زافين، ونعرف، انه هو الذي يُحدث، ولو على المدى الطويل، تلك التغيرات الكبرى في المجتمع. لكن زافين يعرف أيضاً، أن هذا التبدل في الذهنيات ليس من الضروري ان يسير دائماً في اتجاه الأفضل. فما يكتشفه المرء حين مطالعته كتاب زافين، هو في الحقيقة فقدانه واحدة من أكثر سمات حياته أهمية وجمالاً: البراءة. وهذا في الوقت نفسه أقسى ما في الكتاب. فالقارئ إذ يستعرض عشرات الصور، المستقاة جميعاً من أرشيف التلفزة اللبنانية، ويقرأ التعليقات عليها، كما يقرأ في الصفحات الفاصلة تلك التحليلات الذكية التي يصوغها قلم الكاتب، يشعر أن ثمة ما يعرّيه هنا، وما يعرّي ما «جنته براقش» على نفسها. ويتساءل: ترى كيف فقدنا كل تلك البراءة.

هنا، في بعض اللحظات، قد يخلط القارئ بين البراءة والسذاجة، وبين هذه الأخيرة والبساطة، ولكن لا بأس طالما أن هذا كله يكوّن تلك الحالة الذهنية التي سرعان ما حولتها الحرب والسياسة خبثاً وعنفاً وربما أيضاً كراهية للذات. طبعاً لا نزعم هنا أن زافين في كتابه الجميل والمنشرح والمتفائل بعد كل شيء، كان يرمي، إلى فرض هذا الكشف عن التبدل الذي طاول الإنسان اللبناني، خلال المرحلة «الانتقالية» التي استعرضها في الكتاب، ولكن النتيجة واحدة بالتأكيد.

التاريخ المستحيل

أما أسلوب الوصول إلى هذه النتيجة ففي غاية الجمال. الأسلوب هو ذلك التقسيم الخلاق إلى لحظات (مئة لحظة كما يعد الغلاف) تبدأ بـ «أبو سليم الطبل» لتصل إلى «شعب لبناني العظيم (قصر بعبدا)». وهي لحظات وزعها زافين على أربع مراحل مؤرخة كما يلي: «1959: البداية» – «1960-1969: مذاق المرة الأولى» – «1970-1979: العصر الذهبي والحرب»، وأخيراً «1980-1989: بين أربع مْجانين وبس وراجع يتعمّر». ليختم الكتاب بعد تلك المرحلة مع ما يمكننا اعتباره دون مغالاة، أول تاريخ حقيقي للبنان الحديث، قائلاً: «رسا العقد الثامن على اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب اللبنانية ووضع أسس نظام سياسي جديد، يعيد بناء الدولة ومؤسساتها. أشار الاتفاق في أحد بنوده إلى «إعادة تأسيس جميع وسائل الإعلام في ظل القانون، وفي إطار الحرية المسؤولة بما يخدم التوجهات الوفاقية وإنهاء حالة الحرب» (...) أدت هذه الصياغة الملتبسة إلى قيام فورة جديدة من فوضى البث التلفزيوني مطلع التسعينات (...). مع اتفاق الطائف، انتهى العقد الثامن على أمل بداية جديدة للبنان والتلفزيون اللبناني، وسط تحديات وطنية واكبت مسيرة إعادة الإعمار من جهة، وتحديات تكنولوجية نقلت التلفزيون اللبناني إلى زمن البث الفضائي الواسع...».

ترى، هل يتحدث زافين في هذه السطور عن التلفزيون اللبناني... أم عن لبنان. ألسنا هنا، بعد كل شيء، أمام خاتمة للتأريخ لحقبة من تاريخ وطن، كانت... ولا تزال الأصعب في تاريخه؟

في اختصار، يقول لنا كتاب «أسعد الله مساءكم» انه منذ بداية تلك المرحلة، بات من المستحيل كتابة تاريخ لبنان، خارج إطار تاريخ التلفزيون.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)