أريج الياسمين وصرخة الحجارة للفرنسي جيلبير سينويه Gilbert Sinoué, Inch’ Allah, roman

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الإثنين، ٢٦ يونيو/ حزيران ٢٠١٧
جريدة الحياة
سارة ضاهر


الكاميرا... اختراع التقط اللحظة وغيّر حياة الإنسان


إذا أردت أن تفهم الواقع عليك أن تعود إلى التاريخ. وقد تترسّخ هذه القناعة أكثر حين تقرأ رواية جيلبير سينويه «إن شاء الله» بجزأيها المترجَمَين إلى العربيّة «أريج الياسمين» و «صرخة الحجارة» (منشورات الجمل). الرواية ضخمة، تتكاثر شخصياتها وتتشابك أحداثها لتنسج حكاية الشرق الأوسط المتخبّط بأزماته وخلافاته.

ينطلق سينويه في روايته من بدايات القرن العشرين حتى منتصفه تقريباً، وهي مرحلة تاريخية شائكة مهّدت، أو ربما أسّست الواقع العربي اليوم، بكلّ ما فيه من المآسي والتراجيدية. لكنّه تمكّن من توثيق تلك الفترة بصعوباتها بشيء من الصلابة والرزانة، بعيداً من الميلودراما. وليس عنوان «إن شاء الله» سوى تأكيد على نفحة التفاؤل التي أراد سينويه بثّها في عمله وفي نفس القارئ.

جيلبير سينويه روائي التاريخ العربي بامتياز، هو اللبناني الأصل (جيلبير كسّاب)، المولود في مصر عام 1947، والذي هاجر إلى باريس ليصير في يوم ما واحداً من أشهر كتّابها. استطاع أن يوثّق تاريخ الشرق الأوسط المعقد بين 1916 و1956 من خلال سرد قصة خمس عائلات، مصرية وعراقية وسوريّة وفلسطينيّة وإسرائيليّة. ومن ثمّ تكتمل الأحداث في الجزء الثاني «صرخة الحجار» الذي يمتد من عام 1956 (المتمثل بالعدوان الثلاثي وتأميم قناة السويس)، حتى عام 2001، وهو التاريخ الذي يمثل أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، ويمكن اختصاره بالهجوم على مبنى التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأميركية.

في هذه الرواية، يعرض صاحب «ليالي ماريتسبورغ» الحقائق التاريخية بكل تجرّد وحياديّة، بدءًا من تقسيم إنكلترا وفرنسا منطقة الشرق الأوسط بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، بفعل معاهدة سايكس بيكو، إلى انعكاس هذا التقسيم على مستقبل المنطقة، مسلّطًا الضوء على قضايا أساسيّة غيّرت أحداثها أحوال البلاد العربيّة، ومنها القضية العربيّة الإسرائيلية، الدكتاتوريّات، تقاليد المجتمع... فلا يُقدّم أحكاماً ولا آراء شخصية، إنما يترك القارئ يستنتج خطورة بلاد يعيش فيها مواطنون لا يدركون أهميّة أن يكونوا أقوياء متّحدين، يعزّزون مكامن قوّتهم، يُحسِنون إدارة ثرواتهم، ويمتلكون قرارهم في تحقيق مصيرهم.

بأسلوب سردي عذب، يروي الكاتب تحولات فلسطين التي أصبحت أجزاء منها عبارة عن مستوطنات يهوديّة، تأخذ بالتوسّع تدريجيًّا نتيجة هجرات مستمرّة لليهود إلى فلسطين، تحت حماية عصابات وجماعات يذكر منها مجموعة «هاشومر» وهي حركة صهيونيّة شبه عسكرية مسلحة، شعارها الأول «بالنار والدم استسلمت مملكة يهودا، وبالنار والدم ستنبعث».

شخصيّات الرواية بمعظمها وطنيّة ثوريّة ومنفتحة، تدعو إلى تقبّل الآخر. اتحد بعضها ببعض، انطلاقًا من ذاتها ومن همومها. يدخل الراوي في تفاصيل حياتها ليُخبرنا عنها، عن أوضاعها ومواقفها وأشيائها المشتركة، وسعيها الدائم إلى تحقيق الاستقرار في بلادها، والتخلّص من الانتداب. محاولات أتت صادقة لتعيد إلى العرب وطنهم الذي خسروه، ومعه خسروا فاعليّة صوتهم واستقلاليّة قرارهم.

تؤرّخ الرواية لنشأة الأحزاب وعقد المؤتمرات وتوقيع الاتفاقات ومحطّات تغيير السياسات. جهود كثيرة، ذهب كلّ منها في اتجاه معيّن، وبخلفيّة تختلف عن الأخرى، الأمر الذي انعكس سلبًا على الوضع العربي، الذي لم تتوحّد صفوفه، فأضحى موقعًا جغرافيًّا ضعيفًا سياسيًّا وأمنيًّا، وساحة سهلة الاختراق.

توالت الأحداث ومرّت السنوات. فقدَ بعضهم الأمل، في حين تعزّز لدى بعضهم الآخر. أمل أحياه أبطال صنعوا تاريخًا نضاليًا، فباتوا هم التاريخ، أمثال سعد زغلول الثائر المصري الذي نفيَ خارج وطنه، رشيد الكيلاني العراقيّ الأصل، مناضل وطنيّ، وكذلك عبد القادر الحسيني والزعيم المصري جمال عبد الناصر، والأطرش في سوريا الذي قاد انتفاضة وصلت جنوب شرقي لبنان.

يتجاور التاريخ الخاص للشخصيات مع التاريخ العام، مثلما يتزاوج الخيال مع الواقع. تسود قصص الحب جزأي الرواية، ما أضفى روحًا رومنطيقيّة حيّة، عبر علاقات مليئة بالفرح، بعيدًا عن المآسي والآلام. ومنها حب مراد الفلسطيني الفتاة المصرية منى، وكذلك تيمور ونور، والفرنسي جان فرنسوا والعراقية دنيا، ولا ننسى الصداقة الحميمة التي ربطت حسين شهيد الفلسطيني ومرقص اليهودي.

رواية ذات نمط كلاسيكيّ حديث، تشكّل دليلًا آمنًا ومفيدًا لمتابعة فعل، وردود فعل المجتمع العربي حول التطورات السياسيّة والجغرافية والأمنية، بين حياد وعداء وموالاة. سلوك ترك مفاوضات السلام عالقة، منذ ذلك الحين وحتى اليوم. ومع ذلك، فإنّ المعلومات التي تقدّمها الرواية لا تزال محدودة نسبيًّا، لنقول إنّها تجارب مفصلة عن أحداث الشرق الأوسط، وهذا أمر طبيعيّ، لأنّه لا يُطلَب من الرواية أكثر من ذلك، صاغها روائي فريد من نوعه، فريد في كتاباته، وتوثيقه المجتمع العربي في تلك الحقبة، ليترك أصداء مشروع ثقافي وتاريخيّ، تتكشّف في ما سيأتي.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)