أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، محمد بن أحمد المقدسي المعروف بالمقدسي البشاري

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


السبت، ٣١ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٥
جريدة الحياة
قصي الحسين


المقدسي في «أحسن التقاسيم» عن مملكة الاسلام ومدائنها العظمى


أعظم كتاب العرب والاسلام يغبطون المقدسي لأسمائه الستة والثلاثين التي عرف بها. فأبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر البشاري المقدسي الذي احتفلت القدس «ذات الهواء السجسج» بمولده سنة 366هـ/ 947م، يقول عن نفسه في كتابه «أحسن التقاسيم»، معدداً أسماءه التي دعي وخوطب بها مثل: «مقدسي وفلسطيني ومصري ومغربي وخراساني وسلمي ومقرئ وفقيه... إلخ وذلك لاختلاف البلدان التي حللتها وكثرة المواضيع التي دخلتها».

وإذا كانت مهمة التجارة تفرض على أصحابها الترحال والتجوال، فقد فرضت هذه المهنة على المقدسي التجوال في الأقاليم الاسلامية وزيارة مدائنها العظمى، إذ الولع بالرحلات، كان من أبرز صفات العرب وهو من الخصائص التي طبعوا بها أعمق ما يكون من أثر في التاريخ والحضارة، كما يقول «حيدر بامات» في كتابه الأثير «مجالي الاسلام» (ص 152).

ويذكر كاتبنا المقدسي أنه درس على يد القاضي أبي الحسن القزويني، وزار بغداد وراح يتجول في البلدان والأقاليم في مختلف أنحاء مملكة الاسلام، يلتقي العلماء ويجالس القضاة، ويأخذ الأدب والحديث والفقه عن العلماء والزهاد والمتصوفين والمذكرين والقصاصين. وكان في كل ذلك يذوق مرّ العيش وحلاوته، فيأكل الهرائس والثرائد، ويطرد في الليالي من المساجد. ويشرف مراراً على الغرق. تماماً كما خدم القضاة والسلاطين، وجلَّد المصاحف، ومشى في السمائم والثلوج. وقد خلص من ذلك كله، بتدبيج كتابه «أحسن التقاسيم» في معرفة الأقاليم، من دون أن يتبع الهوى ومزالق الشيطان كما يقول، فلا «يخرج عن قول الفقهاء، ولم يؤخر صلاة عن وقتها بتة» (ص 45).

ويقول المقدسي عن كتابه، إنه لم يظهره حتى بلغ الأربعين (ص8). ويوضح أنه استند في أساس كتابه الى المصور الجغرافي الذي سبقه إليه البلخي في حديثه عن السامانيين والفاطميين. غير أن مراجعة كتابه، لا قرينة فيها لذلك، إذ اجتهد المؤلف ألا يذكر شيئاً عما أتى به السابقون، مثل البلخي والجهاني والهمذاني والجاحظ وابن خرداذبه. ذلك أنه تولى نقد كتبهم كعالم حصيف، من دون أن يقع تحت تأثيرهم، ليترك لنفسه الاجتهاد في ما يراه ويحققه بالعيان من دون أن يأخذ عن صحائفهم أو يحبر معايناتهم ومشاهداتهم.

قسم المقدسي الأقاليم في كتابه الأثير، إلى أقاليم العرب وأقاليم العجم. فذكر في إقليم العرب: جزيرة العرب، والعراق وأقوز والشام ومصر والمغرب. وفي أقاليم العجم دولة آل سامان والديلم والرحاب (أرمينيا وأذربيجان) والجبال (إيران الشمالية) وخوزستان وفارس وكرمان والسند. كذلك تناول أيضاً بادية العرب والاقليم الأوسط من أقاليم العجم وهو «المفازة».

وتبرز في ثنايا كتابه بعض الآراء الجغرافية والفلكية الخاصة التي سبق بها علماء الغرب. فهو يعتقد بأن الأرض كروية «كرة موضوعة في جوفٍ كالمحة في جوف البيضة» (ص 58). وقسم الأرض إلى قسمين: نصف الكرة الشمالي ونصف الكرة الجنوبي، يفصلهما خط الاستواء. ويقول إن استدارة الأرض عند هذا الخط 360 درجة، وبين هذا الخط وكل واحد من القطبين 90 درجة. وقد جعل الأقسام رباعيات فقال: إن الكتب أربعة والطبائع أربعة والفصول أربعة وأركان اللعبة أربعة والأشهر الحرم أربعة.

وعن خصائص الأقاليم وصفات المواقع الجغرافية يقول إن «أشدّها حراً وقحطاً ونخيلاً جزيرة العرب. وأكثرها بركات وصالحين وزهاداً ومشاهد هي الشام. وأكثرها عباداً وقراء وأموالاً ومتاجر وخصائص وحبوباً مصر. وأخوفها سبلاً وأجودها خيلاً وأوسطها قوماً أقور. وأجفاها وأثقلها قوماً وأكثرها مدناً وأوسعها أرضاً المغرب. أما عن إقليم العراق فيقول: «هذا اقليم الظرفاء ومتبع العلماء، لطيف الماء عجيب الهواء ومختار الخلفاء. ولد فيه إبراهيم الخليل وإليه رحل كل صحابي جليل. أليس به البصرة التي قوبلت في الدنيا وبغداد الممدوحة في الورى، والكوفة الجليلة وسامرا» (ص 113). أما عن إقليم مصر فيقول: هذا هو الإقليم الذي افتخر به فرعون على الورى، وقام على يد يوسف بأهل الدنيا، فيه آثار الأنبياء، والتيه وطور سينا، ومشاهد يوسف وعجائب موسى، وإليه هاجرت مريم بعيسى» (ص 193).

والوصف العام للأقاليم الجغرافية، أتى من تجواله وخبراته عما كان يشاهد ويسمع. فهو يقول مثلاً: «وبمكة فصاحة وبمرو دهاة وصنعاء طيبة الهواء. وبيت المقدس حسنة البناء، وصغر وجرجان موضع الوباء» (ص 33). كذلك يقول في الصفات الأخرى لبغداد: «بغداد في مصر الاسلام. وبها مدينة السلام. ولهم الخصائص والظرافة والقرائح واللطافة. هواء رقيق وعلم دقيق. كل جيد لها وكل حسن فيها» (ص 119).

وعن أثر الفصول يستعمل المقدسي مصطلحات مناخية، فيقول عن شيراز أنها «بلد معتدل الهواء، طيب في الصيف وفي الشتاء. فلا سم لبردها ولا أذى لحرها». ويقول عن مصر أنها «أشد حراً من سواحل الشام» (ص 202) ويقول عن مكة أنها حارة في الصيف، هو «أنهم كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف» (ص 95) ويذكر أيضاً أنه في إقليم الشام يقع الندى في فلسطين كل ليلة في الصيف. وفي بيت المقدس يقع ثلج قليل. ويصف الاسكندرية بأنها غزيرة الأمطار. وكذلك في إقليم المشرق فإن كش كثيرة الأمطار والثلوج. وفي إقليم السند يقع الثلج في منطقة بنجور. وفي بهند تغزر الأمطار.

وبعد ذلك فإن كتاب المقدسي من الكتب الجغرافية العظيمة. وهو يشكل وثيقة مهمة لكل من يبحث في جغرافية الأقاليم، من النواحي الجغرافية جميعاً: البشرية والاقتصادية والمناخية والطبيعية، وحتى الدينية والتاريخية.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


الكتاب على ويكيبيديا

تحميل الكتاب على موقع الحكواتي

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)