أحدب نوتردام للكاتب الفرنسي الكبير فيكتور هوغو

, بقلم محمد بكري


جريدة القدس العربي


جريدة القدس العربي
السنة الثلاثون العدد 9195 الجمعة 25 أيار (مايو) 2018 - 9 رمضان 1439 هـ
زيد خلدون جميل - كاتب عراقي


أحدب نوتردام… من الإنسان المسخ إلى المسوخ الإنسانية


تظهر رواية «أحدب نوتردام» بشكل مستمر في الأفلام السينمائية وأفلام الكارتون والمسرح وعروض البالية والأوبرا، وهي بالتأكيد إحدى أشهر الروايات في الأدب العالمي، ولكن ما هي قصة هذا الأحدب؟

الرواية

رغم اعتقاد البعض أن الرواية مبنية على أسس وشخصيات حقيقية، فإن أحداثها وشخوصها من نسج الخيال. تدور أحداث الرواية عام 1482 في كنيسة «نوتردام» الشهيرة والمنطقة المحيطة بها في باريس، وبطلها «كازيمودو»، ذلك الرجل الأحدب والمشوه، إلى درجة جعلت مظهره مرعبا للآخرين. كان عمل «كازيمودو» هو قرع أجراس الكنيسة العملاقة، الأمر الذي زاد من مأساته، لأن أصوات الأجراس العالية أصابته بالصمم. وكانت الكنيسة هي عالمه الوحيد، فلا يخرج منها إلا بصحبة مسؤولها رئيس القساوسة «كلود فرولو»، ولذلك كان «فرولو» بالنسبة لـ«كازيمودو» هو الصلة الوحيدة بالعالم الخارجي. ،ما بالنسبة لسكان باريس فقد كان «كازيمودو» مسخا من صنع الشيطان، ولذلك فقد كانوا يتجنبونه، وأحيانا يسخرون منه. وكان من عادة سكان المدينة أن يحتفلوا في الأول من يناير/كانون الثاني في كل سنة بعيد الحمقى وهو عيد صاخب يتميز باحتفالات في شوارع المدينة ويصل ذروته عند انتخاب أمير الحمقى، وكان لقب تلك السنة من نصيب «كازيمودو»، فلا يوجد أبشع منه في المدينة بأكملها. ولكن الاحتفال تميز أيضا بحضور «أزميرالدا» الحسناء الغجرية التي سحرت قلوب المحتفلين بجمالها ورقصها، ولكنها سحرت أيضا «فرولو» الذي احتار بين واجبه كقسيس وولعه بـ«أزميرالدا»، فما كان منه ألا أنه أمر «كازيمودو» بخطفها، فتفشل محاولته بسبب تدخل أحد ضباط الملك، وتقرر السلطات جلد «كازيمودو» في الساحة العامة بسبب جريمته هذه، وتشاهد «أزميرالدا» هذا الأحدب المسكين وهو يعاني من الآلام والعطش فتعطف عليه وتقوم بأعطائه جرعة ماء. وهو غير مصدق، فقد كانت أول من يعطف عليه في حياته، وهي الفتاة ذات الجمال المذهل، فيقع في حبها. وفي هذه الأثناء يجن جنون «فرولو»، فعلى الرغم من سطوته الهائلة إلا أنه لا يستطيع الحصول على «أزميرالدا» بل يكتشف أنها تحب الضابط الذي أنقذها، فيحاول اغتيال هذا الضابط بدون نجاح، ولكنه ينجح في تدبير اتهامها هي بارتكاب تلك المحاولة، فيلقى القبض عليها ويزج بها في السجن. ويحاول «فرولو» اغتصاب «أزميرالدا» خلال وجودها في السجن إلا أن «كازيمودو» يمنعه من تحقيق رغبته. وعندئذ ينقلب «كازيمودو» على «فرولو». ويتم إعدام «أزميرالدا» في الساحة العامة و«فرولو» يشاهد عملية الإعدام من أعلى الكنيسة. وهنا يستشيط «كازيمودو» غضبا ويلقي بـ«فرولو» من أعلى الكنيسة وهو يصرخ بشكل هستيري. وبعد الإعدام ترمى جثة «أزميرالدا» خارج المدينة بدون جنازة أو دفن، ويذهب «كازيمودو» لرؤية جثة حبيبته، وما أن يراها حتى ينهار ويحتضنها ويموت. وهكذا تنتهي الرواية الأصلية.

المسوخ

قد يكون الإنسان مكروها ومضطهدا من قبل المجتمع بسبب أفعاله الشريرة ولكن ماذا عن الإنسان الذي يضطهده الجميع بسبب مظهره؟ فلا ذنب له في هذا، ولكنه مجبر على تحمل آلام الوحدة والاضطهاد بمفرده، فيتعذب بصمت وكأنه لا يملك الحق في أن يعترض، وأن يحب وأن يعمل وأن يحيا حياة كريمة. يعيش «كازيمودو» في الكنيسة، بدون أن يجرؤ على الخروج منها، وكأنها السجن الكبير، حتى إذا خرج فدائما يكون برفقة «فرولو»، أحد أقوى الشخصيات في باريس آنذاك. لكن الأخير، الذي من المفترض أن يكون رمز الاستقامة والعدالة، يخرق كل القوانين والأعراف لأنه يهيم بحب فتاة لا تعرفه، بل يدبر إعدامها لرفضها الأنصياع لرغباته. وكل هذا يحدث في كنيسة نوتردام في باريس التي من المفروض أنها تمثل مكان ورمز العدالة الإلهية.

هوغو وأفكاره

كان كاتب الرواية فيكتور هوغو (1802 ـ 1885) معروفا بعدائه للكنيسة، ولكنه كان في الوقت نفسه متدينا ويصلي بشكل يومي. ويعد هوغو أشهر أديب وشاعر في تاريخ فرنسا، حيث برع في جميع مجالات الأدب مثل كتابة الروايات والشعر والمسرحيات، وذكر البعض أنه كان أيضا رساما بارعا، وأصبح عضوا في الأكاديمية الفرنسية، التي كانت تضم النخبة من رجال العلوم والثقافة في فرنسا ورموز مجدها. كذلك كان شخصية سياسية مرموقة، فقد أنه كان عضوا في البرلمان الفرنسي لثلاث سنوات (1848 – 1851) وغادر فرنسا إلى بريطانيا لمعارضته لحكم نابليون الثالث (1808 – 1873) عام 1851، وبقي في المنفى حتى تمت الإطاحة بنابليون الثالث عام 1870.

كنيسة نوتردام

تعتبر كنيسة «نوتردام» ــ معنى الأسم «سيدتنا» والمقصودة هنا هي «مريم العذراء» ــ أكبر كنيسة في فرنسا على الإطلاق. ولبنائها حكاية مثيرة، حيث أراد أسقف باريس في القرن الثاني عشر أن ينشئ كنيسة أخرى تفوق بقية الكنائس جمالا وأهمية وهي كنيسة نوتردام. وكان للأسقف ما أراد بدعم من الملك الفرنسي، الذي كانت خزائنه مليئة بالأموال بسبب الازدهار الاقتصادي في فرنسا آنذاك، وبذلك تقرر بناء الكنيسة على قطعة أرض كانت تضم في السابق معبدا لآلهة ما قبل المسيحية. ووُضِع حجر الأساس في احتفال كبير حضره البابا عام 1163 وانتهى البناء بعد ذلك بقرنين. ومع ذلك فإنه لم يكن للكنيسة في البداية الشأن المنشود، فالملك الوحيد الذي تم تتويجه فيها كان ملك إنكلترا عام 1431 عندما توج نفسه ملكا على فرنسا، إذ كان الانكليز قد احتلوا باريس بهدف احتلال فرنسا بأكملها، ولكن خرج الانكليز من فرنسا في نهاية المطاف خائبين.

وفي نهاية القرن الثامن عشر تعرضت الكنيسة لتخريب كبير من قبل المشاركين في الثورة الفرنسية، حيث حُطمَ الكثير من التماثيل ونُهب الكثير من مقتنياتها، وحولها القائد الشهير للثورة الفرنسية روبسبير ولفترة قصيرة إلى معبد لدين جديد اخترعه بنفسه. وفي بداية القرن التاسع عشر قامت الحكومة الفرنسية ببعض الترميمات كي يتم تنصيب «نابليون» الأول امبراطورا فيها.

كنيسة كوزيمودو

وعندما نُشِرَت قصة «أحدب نوتردام» عام 1831 كانت كنيسة نوتردام بناء ضخما في حالة يرثى لها وبحاجة لعملية تحسين هائلة، ولحسن الحظ حازت الرواية شهرة كبيرة فازدادت شهرة الكنيسة، وأخذ السياح يزورونها باستمرار، ولعلهم كانوا يشعرون بخيبة أمل كبيرة لعدم عثورهم على «كازيمودو» الأحدب المشوه. وهنا قررت الحكومة الفرنسية أن أوان عملية التحسين قد آن، وتم ذلك بنجاح كبير. وتعتبر الكنيسة حاليا مثالا رائعا لطراز العمارة القوطية. ومن الحقائق الأخرى التي ذكرتها الرواية كانت عيد الحمقى، الذي كان عيدا شعبيا يتم الاحتفال به في الأول من يناير، ويعتقد أن أصوله تعود إلى فترة ما قبل المسيحية في فرنسا. وقد توقف الاحتفال بهذا العيد في الوقت الحالي. وقد اكتشفت مؤخرا مذكرات نحات بريطاني كان قد عمل في الكنيسة في عشرينيات القرن التاسع عشر. وذكرت هذه المذكرات أنه كان هناك رجل أحدب يعمل في كنيسة نوتردام في مجال البناء أثناء وجود المؤلف فيكتور هوغو في باريس وأن هوغو ربما عرفه، ولكن هذا لا يعتبر دليلا قاطعا على أن شخصية «كازيمودو» كانت شخصية حقيقية.

الحكاية وشهرتها

لقد أنتج عن الرواية حتى الآن ثمانية عشر فيلما وخمس مسرحيات والكثير من العروض الموسيقية والغنائية، بالإضافة إلى عدة عروض للبالية، وقد غير كل عمل فني بعض التفاصيل، ففي فيلم عام 1939 يقوم «كازيمودو» بإنقاذ «أزميرالدا» من الإعدام وتتزوج الضابط على عكس الرواية الأصلية. ومثّل دور الأحدب مجموعة من أشهر الممثلين العالميين مثل أنتوني كوين (1956) وأنتوني هوبكنز (1982)، ولكن أشهر من مثل الدور كان الممثل البريطاني تشارلز لوتون (1939) الذي جعل الكثير من رواد السينما يتذكرون الأحدب «كازيمودو» بسببه. ولا يمكن للجمهور أن ينسى المشهد الرائع الذي يقول فيه «كازيمودو» (تشارلز لوتون) لـ«أزميرالدا» الغجرية (التي مثلت دورها الممثلة مورين أوهارا) «إنني لست حيوانا متوحشا، إنني إنسان بشع مثل رجل من القمر»، وفي نهاية الفيلم يخاطب أحد التماثيل في الكنيسة صارخا «لماذا لم أُخلَق من حجر مثلك».

عن موقع جريدة القدس العربي

عدد المقال بالـ pdf في جريدة القدس العربي


عن صحيفة القدس العربي

القدس العربي”، صحيفة عربية يومية مستقلة، تأسست في لندن في نيسان/أبريل 1989. تطبع في الوقت نفسه في لندن ونيويورك وفرانكفورت، وتوزع في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا وأوروبا وأمريكا. يتابع موقع الصحيفة يوميا على الانترنت مئات الآلاف من أنحاء العالم كافة.
اكتسبت الصحيفة سمعة عربية ودولية طيبة، بسبب نشرها للاخبار الدقيقة ولتغطيتها الموضوعية للأحداث، والتحليل العميق للقضايا العربية والعالمية، معتمدة في ذلك على مجموعة من المراسلين والكتاب المميزين.

تواصل الصحيفة تطورها خلال الاشهر القليلة الماضية، حيث انضم الى طاقمها مجموعة جديدة من المحررين والمراسلين الاكفاء والكتاب المرموقين. وتحرص الصحيفة على التواصل مع قرائها، ونشر تعليقاتهم وآرائهم على صفحات نسختها الورقية وعلى موقعها الإلكتروني و”فيسبوك” و”تويتر”.



رواية أحدب نوتردام بالعربية على يوتيوب



أحدب نوتردام على ويكيبيديا

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)