من فيروز إلى سفيرة لبنان إلى النجوم

, بقلم محمد بكري


جريدة المدن الألكترونيّة


جريدة المدن الألكترونيّة
الإثنين 26/11/2018
الصفحة : ثقافة
محمود الزيباوي


ولادة سفيرة إلى النجوم


<article4951|cycle|docs=5992,5993,5994,5995,5996>


في غمرة الاحتفال بعيد الاستقلال، شهدت العاصمة اللبنانية، الأربعاء الفائت، احتفالية فنية ثقافية، لمناسبة الذكرى الثالثة والثمانين لميلاد السيدة فيروز. أُقيمت هذه الاحتفالية في موقع “بيت بيروت”، وعُرضت فيها مجموعة من الصور، إضافة الى عدد من المقالات والكتب التي وُضِعت عنها خلال مسيرتها الفنية الطويلة. في هذه المناسبة، نعود إلى مرحلة البدايات، ونستكشف كيف تحوّلت فيروز تدريجياً إلى “سفيرة لبنان إلى النجوم”.

في خريف 1956، أجرت مجلة “الشعلة” استفتاء لاختيار “أجمل خمسة أصوات”، “وأسفرت النتيجة عن فوز فيروز بالأولية” في أول شهر نيسان/أبريل. في الأسبوع التالي، أجرت المجلة حديثاً سريعاً مع المغنية الشابة، وفيه استعادت بداياتها وقالت: “في أواخر عام 1949 أو 1950، لا أذكر، وكنت طالبة في مدرسة البنات الأولى بحوض الولاية، دُعيت مع رفيقات لي لاحياء حفلة تمثيلية في مدرسة زهرة الإحسان عشية عيد الميلاد. وفيها غنّيتُ للمرة الأولى، وصفّق لي الحضور كثيراً. ما كان شعوري ساعة ذاك؟ نسيت، وحياة الله. بعدها، التحقتُ بالمعهد الموسيقي الوطني، ودرستُ أصول الغناء على يد الأستاذ فليفل، طوال سنة أو سنتين، وفي ختامها سلّمني الأمير رئيف أبي اللمع شهادة بأني أغنّي كوّيس”.

تابعت فيروز الكلام، وأضافت: “كنت بين الفينة والفينة أشترك في البرامج التي يعدّها الأستاذ فليفل لمحطة الإذاعة اللبنانية، وغالباً ما عهد إليّ بدور”سولو"، إلى أن جاء يوم أراد فيه معلّمي أن يُدخلني في كورس المحطة، فقدّمني إلى الأستاذ حليم الرومي. ودخلت الكورس في العام 1950، وفوراً بدأت تُسنَد إليَّ أدوار سولو".

هكذا دخلت فيروز إلى الإذاعة حيث ظهر اسمها منفرداً للمرة الأولى في آب/أغسطس، وأدّت مثل سائر زميلاتها أغاني وضعها مؤلفون وملحّنون معتمدون في المحطة اللبنانية، وأثارت بصوتها إعجاب الكثيرين من أهل الخاصة والعامة قبل أن تنشر مجلة “الصياد” للمرة الأولى صورة لها في 13 كانون الأول/ديسمبر 1951 مع خبر من بضعة أسطر.

تحدث صاحب هذا الخبر عن فتاة صغيرة “يملأ صوتها المخملي عشرات التسجيلات في جميع محطات الإذاعة العربية”، وأكّد أن جميع المحاولات في حملها على الظهور أمام الجماهير باءت بالفشل، وقال: “عندما تتكامل قوى فيروز النفسية وتظهر على المسرح، فستكون النجمة التي رشّحتها وترشّحها”الصياد" لاحتلال مكان الصدارة بين المغنيات اللبنانيات". تعاونت فيروز مع الأخوين رحباني في بداياتها ضمن عملها في الإذاعة اللبنانية، وتحول هذا التعاون خلال بضعة أشهر إلى شراكة. مع عاصي ومنصور، دخلت المغنية الصبية “محطة الشرق الأدنى” ثمّ “الإذاعة السورية”، و"ملأ صوتها المخملي عشرات التسجيلات" كما كتبت “الصياد” تعليقها.

تواصلت هذه المسيرة بثبات في العام 1952، وتكلّلت بالنجاح الكبير في السنة التالية. في 20 أيلول/سبتمبر، نشرت مجلة “الإذاعة” مقالة بعنوان “الفتاة التي مسحت مطربي ومطربات الشرق العربي”، مع تعليق يقول: “هذا المقال كتبه الزميل وفيق العلايلي في لحظة من لحظات اندفاعه في الإعجاب بالمطربة الممتازة الآنسة فيروز، وإذا كنّا نشاركه الاعجاب بها، فنحن لا نشاركه القول في أنها مسحت جميع مطربي ومطربات الشرق، لأننا نعتقد ان سرّ نجاح فيروز هو انها استطاعت ان تقف جنباً إلى جنب مع مشاهير المطربين والمطربات”.

كتب العلايلي في مقالته الحماسية هذه: “قال لي الوجيه المعروف محمد بك بيهم، رئيس دار الأيتام الإسلامية في بيروت، حرفياً: ان فيروز قد أعادت إلى نفسي حب الطرب العربي بعدما سئمت أغاني كبار المطربين والمطربات وألحانهم المائعة المتشابهة وأصواتهم التي لا تتغيّر. وأكثر من ذلك، لقد أصبحت أكثر العائلات في لبنان، إن لم أقل كلها، تدير أزرار الراديو ومفاتيحه بحثاً عن الصوت الذهبي الذي يتردّد مع أمواج الأثير عبر الصحراء والنخيل إلى الشواطئ العربية”. وختم مقالته بتوجيه تحياته الخالصة “إلى الأخوين رحباني اللذين اكتشفا هذا الينبوع، بل هذا الكنز الفني النادر، فهما يسيران مع العصر، عصر الحركة الدائمة، ويتعمدان ان لا يدخلا الملل إلى نفوس المستمعين ولا شك انهما نجحا في ذلك”.

بعد بضعة أسابيع، في 22 تشرين الأول/أكتوبر، كتب سعيد فريحة في “الصياد” مقالة لا تقل حماسة حملت عنوان “عندما تغنّي فيروز”، وفيها رأى “أن هذا العالم يستطيع أن ينجب في كل يوم مئة صحفي وألف رئيس وزارة، لكنه لا يستطيع أن ينجب في خلال ألف عام أكثر من فيروز واحدة”. وأضاف: “كان حظ ألحان الرحباني من فيروز كحظ شعر شوقي من أم كلثوم سواء بسواء. اللهم احفظ فيروز وأم كلثوم وأبقِ للغناء بلابله الصدّاحة وللموسيقى عباقرتها المبدعين. علك في هذه الاستجابة يا رب تحفظ عنا البلاء، وتمنحنا العزاء، وتفسح أمامنا مجال الأمل والرجاء. إنّك على كل شيء قدير”.

هكذا تحوّلت فيروز سريعاً إلى “ثروة قومية”، ورمزاً من رموز لبنان. في 4 آب/أغسطس 1955، نشر الشاعر أسعد سابا في “الصياد” قصيدة باسم فيروز تقول: “لبنان بصوتك يا نيّالو/ يا دهب النغمات/ وما رح يجي غيرك على بالو/ يا نجمة النجمات”. وفي نيسان/أبريل 1956، كتب فارس عقاد في “الشعلة”: “وهكذا كما كان منتظراً، فاز صوت فيروز. الصوت الوحيد الذي لا يقلِّد ولا يقلَّد. الصوت الأسطورة. فيه البراءة التي تبرئ، والنضج الذي يخمر، فيه طراوة الندى وحياء البنفسجة. فيه الأجمل من الجمال، الأحسن من عاطفة الأم، الأنعم من العذار. فيه نقاوة البلور وطهر الطفولة وحلاوة السذاجة. فيه القمة تحت المتناول والرجفة التي تتلوى برفق. الصوت الذي أُنزل ليتغزّل به الشعراء ولتموج به الأرواح. وليلم التغريدة الشدو وليملأ الأفق تغريداً. صوت فيروز هو التعبير الصادق عن حقيقة هذه الأمة، عن وداعتها وكمالها وروعتها ورسالتها وسموّها وعمق محبّتها. فيه كل هذا صوت فيروز. انه صوت لبنان”.

بعد فترة وجيزة، تحدث سعيد عقل عن “صوت لبنان” في 1 كانون الثاني/يناير في “الصياد” حين أغلقت “محطة الشرق الأدنى” أبوابها إثر الاعتداء الثلاثي على مصر، فتمنّى إيجاد محطة عالمية بديلة تنقل “ذلك الصوت الذي كان يوماً سفيرنا إلى النجوم”، وأضاف متسائلاً: “أتصغي النجوم من جديد إلى شيء من عندنا لا يُعلى على حنانه، ولا على اللؤلؤ الذي يتكوّن منه؟”. مع توقف “الشرق الأدنى”، تأسست شركة التسجيلات اللبنانية بتمويل وديع بولس وإدارة صبري الشريف، وبدأت هذه الشركة بإنتاج أعمال سجّلتها فيروز مع الأخوين رحباني في الستوديو نفسه الذي شهد تسجيل أعمال “محطة الشرق الأدنى”، وأصدرت سلسلة من هذه التسجيلات على اسطوانات.

على الغلاف الخلفي لواحدة من هذه الأسطوانات، كتب سعيد عقل في حزيران/يونيو 1957: “الصوت الذي يعتزّ به شعب بأسره، ويعتبره مجداً له وعطية. فيروز، إنها سفيرة لبنان إلى النجوم. جدّدت فكأنها خَلقت الغناء. وجمعت على الإعجاب بها: الموسيقى والطفل والحاصدة وراء السنبل. رفضت البكاء ولكنها جعلت الحنين زهرة في البال. غنّت الأرض، والوجوه الإنسانية، والثورة على الظلم. وأعطت أملاً للمشرّد، وطهارة للحسناء، وغداً أجمل للبائسين. لا تبعد فيروز عن الشعب: من أغانيه البسيطة، من سهراته وساعات حبه، من رقصاته الحارة الحلوة تأخذ مادة. ولكنها تتلاعب بكل ذلك حتى لتدفعه إلى القلوب التي استيقظت على البهاء، بطولة، ونشوة فرح، ولذة بإبداع الجديد. على صوت فيروز تُبنى اليوم أمّة”.

هكذا وُلد لقب “سفيرة لبنان إلى النجوم” بين خريف 1956 وصيف 1957، ورافق فيروز منذ تلك الحقبة، وبات واحداً من أشهر الألقاب التي عُرفت بها خلال حياتها المديدة.

عن موقع جريدة المدن الألكترونيّة


حقوق النشر

محتويات هذه الجريدة محميّة تحت رخصة المشاع الإبداعي ( يسمح بنقل ايّ مادة منشورة على صفحات الجريدة على أن يتم ّ نسبها إلى “جريدة المدن الألكترونيّة” - يـُحظر القيام بأيّ تعديل ، تغيير أو تحوير عند النقل و يحظـّر استخدام ايّ من المواد لأيّة غايات تجارية - ) لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا.


عن الصورة

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)