موت مختلف، محمد برادة (المغرب)، رواية دار الآداب - 2017

, بقلم محمد بكري


جريدة الأيام الفلسطينية


موقع جريدة الأيام الفلسطينية
الثلاثاء 30-10-2018
الأيام - أدب وفن
كتبت بديعة زيدان


"موت مختلف" لمحمد برادة .. تجربة الحزب الاشتراكي الفرنسي بمرويّة مغاربية!


لم تكن حكايات “منير” على تشعباتها، إلا مشجباً يعلق عليه محمد برادة، بأناقة رفيعة على مستوى اللغة، والسرد، والحبكة، مفاصل سياسية وتاريخية عن الحركة الاشتراكية الفرنسية منذ منتصف القرن الماضي وحتى ما قبل انتخاب “أولاند” رئيساً للجمهورية، متناولاً الأحداث بلغة الروائي المبدع الذي استطاع باقتدار المزاوجة ما بين التأريخ والسرد، في روايته “موت مختلف”، الصادرة عن منشورات الفنك بدعم من وزارة الثقافة المغربية، وعن دار الآدار اللبنانية، وهي إحدى الروايات الفائزة بجائزة “كتارا” للرواية العربية في دورتها للعام 2017.

وكما اختار حياة مختلفة بعيداً عن مسقط رأسه وأهله في مدينة دبدو بالمغرب، يبحث “منير” الآن عن “موت مختلف” بعد 47 عاماً من الإقامة في فرنسا للدراسة والعمل.

يستهل برادة أول فصول روايته بمشهد لـ"منير" في غرفة نومه، وفي أول أيامه بعد التقاعد من عمله كمدرس للفلسفة .. كان ذلك في العام 2012 .. كان يوماً مضطرباً وساكناً في حياته، بل وهادئاً هدوءاً غريباً متأملاً في سنواته الماضية بفرنسا، ورحلة حياة طويلة صاخبة.

“في هذه اللحظة بالذات، وأنا ممدد على فراشي أستقبل أول يوم في رزنامة تقاعدي، تغمرني رغبة كاسحة في أن أسرد رحلتي بطريقة ما، لتبدو المراحل والقسمات ماثلة، بارزة، فتسعفني ربما على أن أستوعب مساراً خضع للارتجال والنزوة والجري وراء أحلام غزيرة المنال؟”.

يقرر منير بعد تقاعده، وفي ظل وضعه النفسي المتخبط، أن يزور مسقط رأسه في زيارته الأولى بعد أن حطت به الرحال في فرنسا لما يقارب النصف قرن، فعندما أنهى الثانوية العامة، وبتشجيع من والده الذي كان يتمنى لابنه مكاناً أكثر أمناً واستقراراً من الحياة في “دبدو”، منتصف القرن الماضي، حيث الناس فيها كانوا يعملون في الزراعة ورعاية الأغنام وبعض الوظائف البسيطة، انتقل للعيش في باريس بنية الدراسة، إلا أنه، وبجانب دراسته، ينخرط في عالم السياسة، وتحديداً يبيت واحداً من كوادر الحزب الاشتراكي الفرنسي، ويشارك وغيره في ثورة العام 1968.

جاء ذلك بعد أن بدأ في التعرف إلى أعضاء سبقوه إلى الحزب، من بينهم “ألبير” صديقه الفرنسي، الذي يشاركه الدراسة في الجامعة ذاتها، ويجمعهما منزل “كوليت” الفرنسية ذات الأصول الهندية، وهو المنزل الذي يحتضن لقاءات الشبيبة الاشتراكية الفرنسية، أو جزءاً منها.

اتخذت كوليت المتمردة فيلا صغيرة أطلقت عليها اسم “خلوى الضالين” لتكون مكاناً يتحرر فيه الأصدقاء من أية سلطة أو قيد فيرقصون، ويغنون، ويتحدثون في السياسة والمظاهرات.
بدأت ملامح التغيير الفكرية تظهر على “منير”، فالتجربة النضالية، والتمرد العلني الذي بدأ باحتجاج ومظاهرات من قبل اتحاد طلاب فرنسا انضم اليهم مجموعة من الفنانين والمثقفين والفلاسفة تحولت هذه التظاهرات إلى ثورة 1968.

أما في الجانب العاطفي فكان لـ"منير" حكايات عدة وتحولات، أولها تلك العلاقة الحميمية بـ"جوسلين"، الطالبة السويسرية، والتي انتهت بعودتها إلى بلادها بعد أن أنهت دراستها الجامعية، وتلتها كاترين جيرو، طالبة الحقوق في سنتها الأخيرة، التي تعرف إليها في المظاهرات، وتصاعد وتيرة العلاقة حتى وصلت إلى الزواج الذي كان من نتائجه ابنهما “بدر”.

في العام 1970 انضم كل من “منير” و"كاترين" إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي، وبشكل متسارع نظم الحزب صفوفه استعداداً لخوض معركة استلام الحكم، وفي العام الذي يليه عقد مؤتمر “ابناي” الذي أعلن فيه الحزب خوضه غمار الانتخابات الرئاسية.

أما على الصعيد الشخصي، وإلى جانب نجاحات الحزب الاشتراكي، التي كان لمنير وكاترين جزء منها، فقد تخرج منير من جامعته وعمل أستاذاً للفلسفة في إحدى مدارس ضواحي باريس، قبل أن يتزوج كاترين وينجب منها “بدر” العام 1982، وهي فترة يعكس فيها برادة روائياً ازدهار واقع الحزب سياسياً، على الواقع الشخصي لمنير.

“أظن أن صوت الطلاب خلال مظاهرات مايو 1968، هو الذي نبهني إلى أهمية الإفصاح عن الرغبات، بما فيها النزوة العابرة التي تكشف ما هو كامن في الأعماق. منطق العلائق الاجتماعية الموروثة يفرض قضم وتجاهل حريات ورغائب الفرد سواء كانت ذاتية أو لها طابع جماعي ... وأنا أسمع شعاراتهم الجرئية وانتقادهم للحكومة ورئيس الجمهورية والشرطة ومؤسسات الأسرة والجامعة والأحزاب، أدركت أن الأوضاع القائمة ليست ناتجة عن صدفة يمكن أن تتغير من تلقاء نفسها، وإنما هي قائمة وفق مصالح واختيارات متشابكة، متدثرة بأردية لا يطابق مظهرها جوهرها المتخفي.

كنت كلما رددت شعاراً، أقيسه بوضعي أنا الوافد من بلاد تسودها قيم الوصاية والحجر، وتحنطها تقاليد كاتمة للأنفاس. شيئاً فشيئاً، بدأت أشعر وسط الهتافات بكياني المتواري، المتضائل، يتنامى وتبرز تقاسميه عبر نداءات الحرية والانعتاق. أدركت، وقد اختلط صوتي بصوت الطلاب الآخرين، أن وضعيتي يمكن أن تتغير، وأن هناك قضايا كثيرة مشتركة إذا تحققت ستخلصنا من سطوة الآليات المتسترة التي تعوق طموحنا إلى المعرفة والحب والمساواة (...)”.

يسير زواج منير واستقراره بموازاة استقرار الحزب ونجاحاته، إلى أن يبدأ بعض التغيرات تصيب الاثنين، فمع زيادة أعباء العمل الحقوقي في مكتبها، تستعين كاترين بالشابة لويز، وهنا يحدث تحول غريب في علاقتها مع منير أبرز عناوينه “البرود”، إلى أن تعترف لمنير أنها تريد الارتباط بعلاقة حميمة بصديقتها لويز، وهو ما جعلها تنفصل عنه وتطلب الطلاق، ليدخل في فراغ كبير كمتقاعد ومطلق.

هو أيضاً دخل في علاقة مع ايفلين أستاذة اللغة الانكليزية المطلقة، أما ابنهم “بدر”، والذي توترت علاقته بوالده وخاصة بعد زيارته ووالدته للمغرب، فهو الذي رباه والده على التشبث بمبادئ عصر الأنوار، يتكشف مع بداية الألفية الثالثة أن التحولات الكبيرة والأحداث المروعة التي تمر بها فرنسا التي اتجهت نحو اليمين وما رافق صعود التيار اليميني من أعمال عنف لتنظيم “إسلاموي”، ما يتنافى مع ما رباه عليه والده من قيم، فتركت في نفس الابن الشاب خوفاً وقلقاً واضطراباً انعكس على علاقته بوالده، الذي يقرر تجميد علاقته بحزب بات “فاقد البوصلة”.

ويلاحظ القارئ في رواية برادة أن ضمير الراوي يتغير بعد الصفحة السادسة والستين، من ضمير المتكلم حيث كان منير يروي بنفسه حكاياته، إلى ضمير الغائب، وهو هنا “راوي الرواة”، وكأن شخصاً آخر أخذ على عاتقه سرد الأحداث بالنيابة عنه، وهو هنا يقاعد “منير” مبكراً من فعل السرد، ويعطي مساحة لوصف حالته بشكل أوسع بعيداً عن ضمير المتكلم الذي بدأ مسيطراً في الجزء الأول من الرواية حين كانت أشبه بمذكرات رجل متقاعد، بينما قام “راوي الرواة” بإعادة قولبة شكل “موت مختلف” حين بدأت مياه السرد تفيض عن يوميات “منير” باتجاه رواية شخصية وأخرى تأريخية سياسية موازية، في رؤية حداثية بامتياز على مستوى التقنية، تتوزع مشهدياتها التي تمزج المحلي بالعالمي، كما مزجت الخاص بالعام، على ثلاثة فصول عنوانها برادة بـ"زيارة مسقط الرأس"، و"في بلاد الأنوار"، و"كابوس مقيم".

“ما تبقى من خلال هذه التجربة، هو أنها ربطتني بعيّنات من الناس لهم سجايا وسلوكات أقنعتني بأهمية الرفقة والحوار والصداقة. تعلمت، بالتدريج، أن أعطي الأسبقية لتجسيد المبادئ في السلوك، ولو كان تجسيداً نسبياً، متعثراً. إلا أن إيقاع التحولات داخل فرنسا، منذ مطلع الألفية الثالثة، عرف تسارعاً مربكاً يحار المحللون في الإحاطة بتجلياته وعواقبه.
وما قوّى قلقي هو صعود أقصى اليمين في الانتخابات البلدية والتشريعية، وانتشار قيم الانغلاق والعنصرية، إلى جانب عمليات الاغتيال والتخريب التي يمارسها تنظيم إسلاموي يستغل الدين لتثبيت خطة عالمية تخدم أغراضاً وحشية معادية للإنسان ... يكون من الطبيعي، حينئذ، أن يتفشى الخوف وتتناسل الكوابيس، وتختل العلاقات بين المواطنين، ويعمّ الارتياب في قدرة الدولة ودور القوى السياسية ...”.

و"منير" المغربي الذي كان عشرينياً حين حط في فرنسا، وناضل في صفوف الحزب الاشتراكي من أجل تجسيد مبادئ ثورة 1789، وأحلام انتفاضة “مايو 1968”، قبل أن يعود بعد نصف قرن من الغياب إلى مسقط رأسه، يبقى بطلاً إشكالياً، يسائل التاريخ والذات والآخر في سياق كابوس مقيم يخلخل اليقينيات ومؤسسات المجتمع، وكونية القيم الإنسانية، عبر استيقاظ الأسئلة الغافية بأعماقه عن الهوية، وتعثر اليسار الفرنسي، وتجربته في الزواج من كاترين، وعلاقته المعقدة بابنه بدر الحائر، ممزق الهوية، فـ"فرنسا بدر" ليست هي “فرنسا منير”.

عن موقع جريدة الأيام الفلسطينية

شروط الاستخدام

يشير البند السادس من شروط الاستخدام بأنه لا يحق للمستخدم نسخ المادة الموجودة على الموقع أو إعادة إنتاجها أو نشرها أو إذاعتها أو استغلالها بأي طريقة مهما كانت من دون ذكر الموقع والاشارة الى الموقع كمصدر لهذه المواد بوضوح، وفي حال تم التعديل بالحذف والإضافة والتحليل يجب الإشارة إلى موقع “الأيام” كمرجع للمادة التحليلية، ويستثنى من ذلك أغراض الاستعمال الشخصي غير التجاري. لقراءة المزيد عن شروط الاستخدام.

جريدة الأيام يومية سياسية تصدر عن شركة مؤسسة الأيام للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع.



جريدة الحياة


الخميس، ١٢ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٧
جريدة الحياة
عالية ممدوح


الثورات المغدورة يرويها محمد برادة


جل ما قرأت للناقد والروائي محمد برادة من روايات وترجمات، وكتب فكرية في النقد، يناوشه هنا في روايته «موت مختلف» (دار الآداب)، متوغلاً في قراءة مدونات الحياة الفكرية والسياسية والثقافية لحياة باريسية عاشها المؤلف/ الراوي، متماهياً مع ثوراتها، بدءاً من 1986 مروراً بتحولات التاريخ الكبرى التي باتت «تهدد المجتمعات بالجنون وفقدان البوصلة.

منير، الشخصية المركزية والراوي اليقظ المحزون والمخذول بعصرٍ كان هو أحد المشاركين في إنجازه، لا لكي يصل إلى هذا العنوان «موت مختلف»، وإنما لملاحقة الحياة ذاتها وإنقاذها. وهذا ما يبدأ منذ هجرته من مدينته الأولى، دبدو، المحاطة بالجبال والتلال من كل الجهات: «أنعم النظر في الخارطة، فأجد فعلاً أنّ دبدو نقطة نهاية لمن جاء زائراً».

يمسك منير الذي يراقب أفوله وهو يصل سن التقاعد، بقارئه وهو يروي بالمعنى الماكر الآسر عن حقب عجيبة ودموية، لحيوات ومفاهيم تتلاشى وتتدهور، لا تنتهي أو تستمر، انما تظل مائلة أمام المفكر والفنان الذي درس الفلسفة؛ وما عليه إلا أن يقوم بتنظيم عناصرها وتحريك دلالاتها.

لكنّ الآفل، كالسيد منير، نراه لا يرضى بصيرورة ولا بانحلال، فهو يقوم باستخدامات فنية شتى فيتملكه راوي الرواة بعدما ضاق ذرعاً من ضمير المتكلم الحميمي. ثم فكر ملياً- هو والراوي العليم يلعبان كما المخرج السينمائي- فيراقب من يراقبه، قبل أن يختار بعد ذلك يوميات منير للتشبث بما بقي من أرشيف دبدو و «حومة النضال»، وخراب الغرام بينه وبين الزوجة/ الحبيبة. ثم تراوده الخطابات للابن الوحيد، وللصديق الفرنسي ألبير، رفيق الثورات المغدورة في الشباب. يتوقف ويبادر لسؤالنا: كيف هي أحوالكم فيما إذا سافرتم معي إلى بلاد الأنوار؟ يمسك المؤلف وقرينه منير خرائط باريس، متحفاً ومكتبة ومسرحاً وسينما وعروض أزياء وحفلات غناء ومطاعم وانبذة...

وبشيء خفي وسري، يتلعثم الفنان الأمين أمام بذخ الجمال، وجوهر هذه المدينة وغنجها الجنوني الذي يصوره خيالك، فتغدو أحد شركاء حلقاتها الجوانية، وسوف تسمح لك بالمرور داخل قيعانها الجوفية، لكنّ هذا ضرب من المحال.

منير اليساري المغتبط بانتصار الحزب الاشتراكي بعد وصول ميتران في العام 1981، كان ضمن الشباب الذي يرعبه مجرد الارتياب بما يؤمن به. ولأنه اختار دراسة الفلسفة، فإنّ أول درس يتلقاه هو «الشك». الرواية إجرائياً تشتغل على قاعدة الشك، أو تضعه تحت خانة التأويل، وبه يقوم الراوي بتفكيك اليقينيات: أوروبا وعصرها، وبالتالي يقدم قراءة لما سيحصل من خطوط الهروب أمام اليسار والطبقات السياسية التقليدية، وامتلاء الأفق بجيل الضواحي وقرع الطبول؛ أمام يافطات التزمت والتطرف وبالتالي الإرهاب: «بعد مرور عقود على ما عشناه، ننتبه إلى الفخ الذي استدرجنا إليه لكي نتخلى عن مُثل ومقاييس نعتبرها ملتحمة بنموذج الحياة التي نحبذها».

الخذلان والخيبات تدعنا نعترض على الحاضر ولدينا الحجة، بل الحجج، فيتيح برادة تعزيز عهد الطفولة وجعله صالحاً للاستعمال: التذكر، ولمس اليد لحيز «فطومة»، التي صاحبها أيام مراهقته في دبدو. شيء في اللون الأسمر وامتلاء الجسد الملفوف، والعينين الضاحكتين، يربط إيفلين بفطومة.

اختيار الأسماء في هذا العمل له دلالة أيضاً، فهو يأخذنا إلى الدار البيضاء لنشاهد صديقه رابح، وهو يفوز داخل عالمي المال والسياسة، ويقود عربته «المرسيدس». يدلف القارئ الى الدار البيضاء بينما رابح يقود منير: «تعال إلى المغرب لتكتشف عينات أخرى من الذئاب الشرهين، أنا ضحية الحيتان الكبيرة تبتلعني في نصف لقمة».

يستخدم المؤلف ضمائر عدة رافعة لقوة أفكاره في تدوينه الخاص وهو يضبط سلطة أرشيفه الثقافي والفكري، وقد وجدته في كثير من الأحيان قد أثقل جسد الرواية وتجاوز استثماره الغرضي في التورية والتأويل. لعلّ الروائي محمد برادة من الكتاب النادرين الذين يصغون لضوضاء جسد المرأة وحريتها؛ عاشقة ومعشوقة، كاتبة وملعونة، مثقفة ومحبوبة...

لقد مرّ منير في تشكيلة علاقات كما هي معادلات النخب السياسية، فمرة تصنف بالعشق الصريح الفظ، وثانية بالنفاق البراغماتي. فنجد أنواعاً من العلاقات تبتدع أسلوبها.

ولعل كوليت الصديقة، وهي تفتح مدينةـ بونديشيريـ ذات الأصول الهندية الساحرة، قدمتها الرواية كأجمل وأرق ما لدى الثقافة والتصوف الهنديين في تجربة العشق الذي استوعب جيداً ما ورد في كتاب «كاماسوترا» عن فن الحب. هل هذه المدينة بناء تخييلي أم حقيقي؟ يجيب الكاتب: «هي مدينة صغيرة في الهند وقد زرتها ووجدت أنها تحقق نوعاً من الاتوبيا التي تحرر الإنسان من الاستغلال والتشيء. وهي تتصادى مع بعض أحلام ثوار 1968 في فرنسا وأوروبا».

أما راوي الرواة فيخاطب وليده الوحيد (بدر) في رسائل متبادلة تتخللها وحشة الآباء في كل زمان ومكان، وهو يلوذ في كثير من الأحيان بالصمت. فالولد لا يعرف ماذا يفعل بهويتين أو أكثر، في منظومة تحيط به وتضع أمامه نوعاً من «كود». ليس من المفارقة أن يكون اسم الوالد منيراً والابن بدراً في رواية تشهد أفول عصر الأنوار.

عن موقع جريدة الحياة

جريدة الحياة

“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.



جريدة الحياة


الخميس، ٢٤ أغسطس/ آب ٢٠١٧
جريدة الحياة
فيصل درّاج


ماذا تبقى لمحمد برّادة في خريف العمر ؟


«طرح محمد برّادة في روايته الجديدة «موت مختلف» (دار الآداب،2017) التي تلتبس، ولو بقدر، بسيرته الذاتية سؤالين: ما الذي يكتبه إنسان تسير حياته إلى الزوال، لا يراهن على فجر أو قيامة؟ وهل أشكال الموت متماثلة، أم أن بعضها، صادق الحياة وصادقته الحياة، ولا يشبه غيره؟ ينطوي السؤالان على الشجن والتذكّر والتماس «قول أخير»، يضيء دروب الأبناء، ذلك أن الكاتب المغربي ولد في الرباط سنة 1938.

يبدو كتابه الجديد مقاربة فكرية لتحولات الزمن الذي عاشه، ومساءلة لوعود نظريات تشير إلى اتجاه وتنتهي إلى آخر، شحيح المسرّة. حاذر الكاتب نسج سيرة ذاتية مباشرة، وآثر أخرى مقنّعة، تسمح بالحذف والإضافة، وتوليد صيغاً كتابية متعددة. مرّ في سرده على مكان الميلاد، قرية مغربية غادرها في مطلع ستينات القرن الماضي إلى باريس «مدينة الأنوار» التي عاش فيها طويلاً، وشهد ثورة أيار(مايو) 1968، التي تكاد في أطيافها المتعددة أن تحتل مركز الرواية. يسأل السارد: ماذا كانت ستكون عليه حياتي، لو لم أعش أحداث ثورة الطلاب في فرنسا في مايو 1968؟ تشكّل الإجابة، بأقساط مختلفة، محور «الموت المختلف»، ذلك أن الثورة جاءت بحياة مختلفة، قوامها التمرّد. ولعلّ وعودها المخفقة، التي قذفت بفرنسا إلى مسار مختلف، هي التي أملت على الكاتب، أن يوحّد بين مساره الذاتي وسيرة فرنسا السياسية، فيتوقف أمام شخصية فرانسوا ميتران، الماهر الماكر الأشبه بأفـّاق قديم، ونجاحات الحزب الاشتراكي وإخفاقاته، وعودة الشعبوية المظفّرة، المدافعة عن العنصرية وكراهية الغرباء.

رواية مغايرة

جمع برادة عناصر حياتية مختلفة وبنى بها «رواية مغايرة»، متكئاً على معيش يعرفه، وعلى معرفة نظريات الكتابة الروائية مؤمناً، ربما، بأن الكتابة صنعة، بل إنها «تصنيع كتابي» يستضي بما جاء به منظرو الرواية. أنجز روايات متعددة، منها عمله الجميل «مثل صيف لم يتكرّر»، تناول فيه فتنة الماضي وأرق الذاكرة. كان للحياة بقية واسعة آنذاك، قبل أن يأتي زمن «موت مختلف» حيث يتكامل الضيق والفزع. وإذا كان في «الصيف القديم» ما ترك الكتابة عفوية متدفقة، فإن مجيء حياة تلاشى معظمها، جعل الكتابة مرهقة وأقرب إلى «التصنيع» وأملى على الروائي، العارف بتقنية السرد الروائي، أن يوظف في سرده مفهوم: مرونة الجنس الروائي، وسيولته، التي تسمح بتجريب مألوف وغير مألوف.

استهل الروائي عمله بما يدعى، نظرياً، العتبة الروائية، التي اتخذت من تقوّض الزمن مرجعاً لها. نقرأ في الاستهلال: «ليس الزمن سوى حاضر مؤلم، محمّل بالذكريات» و «كيف نكتب ونحن نستحضر الموت أفقاً لنا». جمع القولان بين استحضار الألم واستباق الموت وأفصحا عن شقاء الكتابة التي تحاصرها ذكريات متباعدة. ولعل هامش الموت، الذي يرزح فوق زمن تولى، هو ما فرض الفصل الأول: «زيارة مسقط الرأس»، قرية مغربية بعيدة الأطياف، وتأثيثها بما يجب روائياً به، حيث المكان والشخصيات وأحلام شاب بمغادرة مكان انحدر إلى غفوة النسيان، يشتاق إلى التحرّر والتكامل. ومع أن «للعتبة» ما يسبقها وما يتلوها، فقد آثر الروائي، الذي يزهد «بالسرد الخطي»، أن ينقلها سريعاً إلى «أدوار الرواية العليا»، معتمداً على توسطات كتابية توسّلها من اتجاهين: القرين، الذي هو صديق يحاوره الكاتب كي يحاور ذاته و «تقنية اليوميات» التي تتجلى في عناوينها مهارة الكتابة واتساع الثقافة: الفرح قليل، الأحلام تنسحب، يا من وراء البرزخ، مثل قطعة سكر...، وتعبّر عن فكر الكاتب وشخصه، وقدرته على استنطاق الكلمات والأحلام.

صنع الكاتب الفصل الأول من روايته بمواد فنية جمعت بين الاستذكار والقرين والرسائل وشذرات حكيمة تتاخم نيتشة، ودخل إلى فصل تالٍ عنوانه «في بلاد الأنوار»، حيث باريس المرصعة بالحركة والجديد والرغبات الطليقة. حاول الروائي في الفصل الثاني، وهو الأطول في الرواية ويصل إلى أربع وثمانين صفحة، أن يستذكر مناخ الثورة الطالبية، التي أمدّت حياته بالمعنى وبذاكرة مضطربة. عثر من جديد، وهو الذي ينكر السرد الخطي الذي هجاه الراحل إدوار الخراط، على «حوامل فنية» تمد السرد بمدى مرغوب، تجسّد في عناصر ثلاثة: مادة ثقافية فرنسية، متواليات من حكايات العشق و «الحرياتية»، ومقولة « راوي الرواة»، ذاك الذي يسرد مسار حياته الشخصية وسيرة فرنسا السياسية معاً. وبقدر ما أن «يوميات منير» في الفصل الأول، عبّرت عن ذاتية الكاتب، وتركت العتبة الروائية جانباً، فإن سرد وقائع «بلاد الأنوار» دار حول رغبات السارد، واختصر «الثورة الشهيرة» في إعلاناتها الأيديولوجية.

جسّد الروائي المقاطع الكتابية، المحدّثة عن باريس وثورتها، بإشارات ثقافية شائقة، تضمن سيمون دو بوفوار والاحتفاء بالجسد الحر، وفرانسوا ساغان وروايتها «مرحباً أيها الحزن»، وظاهرة الكاتب رومان كاري، الروسي الأصل المتألق في كتاباته الفرنسية والإنكليزية، والكاتب الروماني أوينسكو ومسرحيته «الكراسي»، وصولاً إلى جيل ديلوز والمخرج السينمائي ماتيو كاسوفيتز...، ليس في الإشارات الثقافية، على رغم فتنتها وتنوعها، ما يدفع «بالفعل الروائي» إلى مركزه، بقدر ما يتراءى فيها مثقف واسع الثقافة يميل إلى التأمل. وواقع الأمر أن الروائي ساوى بين «حاضر الرواية» وحاضر الشخص الذي يكتبها، إن لم يجعل الحاضر الثاني مرجعاً للأول ومركوزاً له. ولهذا نقف أمام سيرة فكرية ـ روحية، قبل أن نرى باريس «العملاقة»، كما يقول الكاتب.

متواليات

يتجسّد احتفاء السارد برغباته في «متواليات نسائية»، ساوت بين ثورة الطلاب والأجساد النسائية المنتمية إليها: جوسلين وكاترين وكوليت وإيفيلين... يشكّل هذا بداهة جزءاًً من النص، لولا عنوان الفصل «في بلاد الأنوار»، كما لو كانت الأنوار الفرنسية قد اختصرت في نساء يعشقن التمرّد و»الحرياتية».

حاذر برادة «التقليد الكتابي» فألغى هذه المرة فكرة «البطل الروائي» وجاء بتعبير «راوي الرواة»، الذي يكسر رتابة السرد الخطي بقصص ذاتية وشذرات ثقافية. بيد أن هذا الراوي، الذي يريد أن يكون جديداً ومجدداً، لا يلبث أن يقود إلى السرد الخطي، في شكل منقوص، متحدثاً عن وقائع السياسة الفرنسية المتعاقبة. فبعد عنوان: «قال راوي الرواة» في الصفحة 74 نقرأ: «في مطلع 1970، شرع فرنسوا ميتران في جمع فصائل الاشتراكيين المبعثرة» مشيراً، في الوقت ذاته، إلى امرأة متمردة «كاترين»، في انتظار عودة جديدة لراوي الرواة يقول فيها: «كانت 5 سنوات قد مرّت على عودة الاشتراكيين إلى الحكم»، مستحضراً في هذه المرة متمردة جديدة تدعى كوليت، وصولاً إلى ظهوره المتجدد ثالثة، حيث نقف فيه أمام امرأتين تتبادلان العشق وإشارة إلى حكم الرئيس شيراك، يتلوه حضور آخر لراوي الرواة، وهو يقول: مع إهلال الألفية الثالثة، كان اليمين قد استقر من جديد في دواليب الحكم برئاسة جاك شيراك.

أراد برادة بمصطلحه «الجديد»، الذي يعني ضمنياً «الراوي العليم»، تجاوز التقليدي في الكتابة الروائية، من دون أن يحقق هدفه، فالمصطلح بقي لفظياً، لم يغير في علاقات البنية الروائية شيئاً، فتكونت ولم تتكوّن في آن. جاء الانزياح من وهم «التصنيع الروائي»، الذي يبدأ «بالمعطيات الفنية الأولية ويطبقها، تالياً، على الموضوع الذي تعالجه الرواية، كما لو كانت الرواية هيكلاً شكلانياً وجملة أفكار. كان من الممكن أن يستغني الراوي عن صيغة «راوي الرواة» بكتابة فصل يزاوج بين مسار فرنسا السياسي وحياة المثقف المغربي، لولا «التنكر الكلي للتقليد» واللهاث وراء شكلانية جديدة.

بعد «العتبة الروائية»، التي استعانت بالقرين واليوميات، و «النواة الروائية»، في الفصل الثاني يأتي «المآل الروائي»، أو «العظة» باللغة «التقليدية»، الذي استقر في فصل جديد عنوانه «كابوس مقيم»، يقرأ خيبة الحلم الفرنسي ـ حلم الاشتراكيين ـ يأتي هنا تصنيع فني جديد، قوامه أب يحاور ابنه حول زمن الغرباء والكراهية. أخذ بناء الأفكار هنا شكل «حوار يدور فوق خشبة المسرح»، كما يقول راوي الرواة. والحوار المفترض يدور حول الهوية والتعددية والوهم واليوتوبيا ودعوة حارة إلى «أفكار عصر التنوير» وضرورة «اللائكية»، أي العلمانية، والذي يمكن أن يمتد إلى مالا نهائية.

يلاحظ قارئ «موت مختلف»، من دون صعوبة تذكر، أمرين: المادة الثقافية الواسعة التي أدرجها الروائي في نصه، الممتدة من باسكال وسبينوزا إلى دانييل كوهن بندت، كما لو كان يرمم نصه بمادة من خارجه، وحِرْص المؤلف على تكثير «الحوامل الفنية»، التي تتضمن اليوميات والرسائل والمسرح والرسائل المسرحية...، ما يعيد إلى الذهن، ولو من بعيد، الفرق بين الإقناع والإبهار، بلغة قديمة، على اعتبار أن ما يبهر يقنع القارئ المستعصي على الاقتناع.

صنع محمد برادة، في كتابه «موت مختلف» نصاً روائياً، معتمداً على معرفته الماهرة بالتقنيات الروائية، مساوياً بين الواقع المعيش والوسائل الفنية التي يمكن أن تعالجه، ومحولاً البشر الفعليين إلى شعارات نظرية، ترثي التنوير وتدافع عنه، وتحتفي بالحلم الاشتراكي وتنقد، بتحفّظ، سياسات الاشتراكيين. وضع المؤلف كل هذا في لغة أدبية رفيعة «متوسلاً أشكالاً كتابية متنوعة: الرسائل، الحوار، الوصف، المراجع الثقافية ـ الأدبية. فصل، من دون إرادة منه، بين الوصف والسرد واكتفى بالأول وهرب منه الثاني، علماً أن الأول يلبّي معطيات لا حركة فيها، بينما الثاني يقبض على علاقات الحياة، المتحوّلة في حاضر قابل للتعيين، لا يختصر في راو مفرد يقف فوق الرواة، ويقول ما يريد، ولا في جملة نساء ينشغلن برغباتهم الجسدية. ولهذا يبدو تعبير «راوي الرواة» غائماً وتسكنه المفارقة، فهو مفرد وموغل في فرديته، لا يستشير رواة مفترضين، ولا يلتفت إليهم، إن وجدوا.

يقول الراوي في الصفحة الأخيرة: «سأعطي لنفسي، قبل أن تقطف روحي، حق التوهم بأن ما عانقته طوال رحلتي في الحياة الدنيا، سيستمر ميمّماً صوب الحلم الإنساني الجميل. ص: 174». الجملة التي أخطأت التعامل الروائي مع علاقات الواقع المعقدة، تعبّر عن شخص محمد برادة لا عن خطابه الروائي الهارب، أي عن ذاك ـ المثقف المغربي النبيل، المدافع عن كرامة الإنسان وحريته، الذي حاول أن يوحّد ذاته، وهو يقف أمام تحوّلات الألفية الثالثة، فاستجمع شتاته القديم والجديد، وهو في الثمانين، وأعطى درساً نبيهاً عن: تقنيات الكتابة الروائية واستعمالاتها المحتملة.

عن موقع جريدة الحياة

جريدة الحياة

“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.



العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
نُشر في 03-07-2017، العدد : 10680، ص(15)
الصفحة : ثقافة
العرب - حسونة المصباحي


تراجيديا الانشطار بين الغربة والوطن في رواية محمد برادة الجديدة


بطل رواية ’موت مختلف’ اختار فرنسا ليجسد أحلامه فيها وسعى إلى أن يوجه اهتماماته إلى قضايا المهاجرين القادمين بالخصوص من بلاده بالمغرب.

في روايته الجديدة “موت مختلف” ينتقل بنا الكاتب المغربي محمد برادة إلى باريس، التي يقيم فيها منذ فترة طويلة، لنعيش أحداثا سياسية وثقافية واجتماعية مختلفة ومتعددة. وقد أهدى برادة روايته، الصادرة عن دار الآداب وحديثا عن دار “الفنك” بالدار البيضاء، إلى “العزيز الراحل عثمان بناني، ذكرى رحلتنا إلى دَبْدُو، وذكرى صداقتنا الحميمة”. ولعل في هذا الإهداء الحميمي ما يشي بسر هذه الرواية. لذا يمكن القول إن بطلها منير قد لا يكون مختلفا عن صديق الكاتب الآنف الذكر.

فهو مثله ينتسب إلى قرية “دبدو المنغلقة على حدودها”، والتي يعيش أهلها من الزراعة وتربية الماشية. ورغم الفقر، ومصاعب العيش تمكن منير من أن يحصل على شهادة ختم الدروس الثانوية لينطلق بعدها إلى باريس مفعما بالآمال والأحلام، عازما على أن يخوض معركة وجوده مثلما فعل راستينياك، بطل رواية بالزاك “الأب غوريو”.

اختار منير، بطل رواية برادة، دراسة الفلسفة. وبعد تخرجه عمل أستاذا وتزوج من فرنسية تدعى كوليت كانت تستطيب أحاديثه عن قريته الفقيرة العارية، وعن طفولته الصعبة وسط الأحراش الوعرة حيث تكاد تنعدم أسباب العيش، وكانت تجد في حماسه ما يدفعها إلى مشاركته مغامراته الكثيرة، وأفكاره الفلسفية والسياسية وغيرها. ورغم ارتباطه الروحي بقريته لم يشأ منير العودة إليها.

فقد كان يرغب في أن يجسد أحلامه في فرنسا التي فتنته بثورتها التي أطاحت بالنظام الملكي في عام 1789، وبفلاسفتها التنويريين، وبكتابها وشعرائها المناهضين للاستبداد والفاشية. وبينما كان المغرب غارقا في ظلمات “سنوات الرصاص”، وكانت الأجهزة الأمنية تعذب المعارضين في السجون، كان منير منخرطا في نضالات التنظيمات اليسارية في فرنسا.

ولم يتردد في أن يكون من ضمن المشاركين في الثورة الطلابية التي هزت فرنسا في ربيع عام 1968. وكلما طلبت منه زوجته الفرنسية زيارة قريته، أجابها قائلا “ليس الآن… لدينا ما نحققه هنا أولا، وستحين الفرصة لاحقا لأستعيد معك زمني الرومانسي هناك”.

وفي مطلع الثمانينات من القرن الماضي، تمكن الاشتراكيون بزعامة فرنسوا ميتران من الفوز في الانتخابات، فانجذب منير وزوجته إليهم، ليعيشا معا “دوامة الاجتماعات والمجادلات”.

ومع المناضلين الاشتراكيين يتنقلان بين المدن الصغيرة والكبيرة لاستقطاب أنصار جدد من أصحاب الكفاءات بالخصوص، ولحضور الاحتفالات والمهرجانات التي ينظمها الحزب هنا وهناك. لكن شيئا فشيئا يخف حماسهما النضالي. فقد عاينا أن الحزب الاشتراكي حاد عن الكثير من المبادئ التي كان يدافع عنها قبل أن يصعد إلى السلطة. كما أنه فقد حماسه النضالي الأول، وبات حزبا خاملا كسولا لا يتردد في سلوك سياسة ليبرالية تتعارض مع طموحات مناصريه.

في هذه الفترة الموسومة بالانكسارات والخيبات، وجدت كوليت في الفلسفة الروحانية الهندية ما خفف من أوجاعها وأزماتها النفسية. أما منير فقد وجه اهتماماته إلى قضايا المهاجرين القادمين بالخصوص من بلاده، ومن بقية البلدان المغاربية. حدث ذلك بعد أن شاهد في عام 1995 فيلم “الكراهية” للمخرج كاسوفيتز. عند خروجه من قاعة العرض شعر بالهلع بعد أن عاين من خلال الفيلم الحياة الصعبة التي يعيشها الشبان المهاجرون في ضواحي باريس. وجميعهم يسكنهم “شعور جارف بالكراهية تجاه فئات المجتمع الغنية، الغاطسة في نعيم الرفاهية، المحمية بالقانون والجيش والبوليس”.

وقد شكّل فيلم “الكراهية” حدثا بارزا في حياة منير إذ سمح له باكتشاف الجانب القاتم في الحياة السياسية الفرنسية. وها هو يفتح الحوار مع طلبته في قسم الفلسفة ليتحدث معهم عن مشاكل الهجرة، وعن المصاعب الكثيرة التي يواجهها المهاجرون. وقد كشف له هذا الحوار أن الشبان المهاجرين لا يعرفون معنى كلمة “مستقبل” إذ أن الآفاق أمامهم مسدودة، والأبواب موصدة.

بعد انفصاله عن زوجته، ازداد منير إحساسا بالوحدة والغربة، ليكتشف في النهاية أن كل الجهود التي بذلها منذ سنوات شبابه بهدف الانغراس في الهوية الفرنسية، لم تكن مفيدة، بل كانت مضرة ومسيئة له على جميع المستويات. وصورة تلك القرية البعيدة التي رغب في نسيانها، عادت تلاحقه في الليل وفي النهار مثل كابوس مخيف.

وعندما عاد اليمين إلى السلطة في عام 2007، لم يعد منير يولي اهتماما كبيرا للسياسة، بل أصبح منشغلا بمشاكله وأزماته الخاصة التي كانت تزداد تعقيدا وحدة كلما ازداد توغلا في المجهول، يسعى بعدها إلى استعادة هويته الحقيقية.

لذلك يقرر أن يعود إلى قرية “دبدو” بحثا عن جذوره القديمة، وعن السكينة الروحية. إلاّ أن تلك العودة لن توفر له فرصة الحصول على ما كان يأمل في الحصول عليه، فيسارع بالعودة إلى غربته مُنتظرا “موتا مختلفا”، يكون “ضروريا للذين طال سفرهم وتعبوا”. وهكذا تنتهي رواية محمد برادة بالخيبة المرة تماما مثلما هو حال “أديب” لطه حسين، و”موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF

عن جريدة العرب اللندنية

العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر



جريدة الحياة


الأربعاء، ١١ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٧
جريدة الحياة
نبيل سليمان


محمد برادة يروي الواقع المغربي الزئبقي


«تطّرد المواجهة الروائية للتحديات الجديدة والمتجددة، مع اختمار التجربة التي لا تركن إلى ما أنجزت، بل تفيد منه وهي تسعى إلى منجز جديد، من دون أن يعني ذلك أنها لا ترتبك أو تكبو أو تقصر من رواية إلى رواية. وفي ما عدا هذا التحزر، تؤكد تجربة محمد برادة صحة ما تقدم، منذ عهده بالقصة القصيرة، ابتداءً بـ «المعطف البالي» (1957)، إلى مجموعة «سلخ الجلد» (1979)، لتأتي من ثمّ ولادة الروائي عام 1987 في «لعبة النسيان»، وصولاً إلى روايته الجديدة «موت مختلف» (منشورات الفنك - 2016). وتواجه هذه الرواية تحديات وعي الأنا – النحن، ووعي الآخر – العالم، مثلما تواجه تحديات تسريد التأرخة والفكر.

قبل المضي في ذلك، قد يحسن النظر في ما هو وعي الرواية لذاتها، والذي عبر عن نفسه منذ العتبة التي صدّر بها الكاتب للرواية، وفيها من مفردات اللعبة: المشاهد القصيرة والاحتفاء باللقاءات العابرة والانطباعات الهاربة، والانتباه للعالم. ومن بعد، يتولى السارد اللعبة معلناً عن حضوره بضمير النحن، وكما يليق بالرواية الكلاسيكية، كأن يقول: «ما يستوقفنا في هذا السياق» أو «لو أردنا أن ندفع الخواطر إلى الأبعد» أو «لندفع مجرى الخيال لننفذ إلى ما وراء الستار» أو «إذا غضضنا الطرف عن بعض التفاصيل» أو «وما قد نستعرضه لا يعدو أن يكون محكيات متداخلة مع أحداث ومواقف تجعل علاقة منير بتلك الفترة من حياته أشبه بمشاهد تخييلية اختمرت في ذاكرته».

ويتابع السارد أن كثرة الأحداث وتشابكها وانتماءها إلى فضاءات عديدة، تجعل التاريخ العام أقرب ما يكون إلى عوالم متخيلة، مثله مثل التاريخ الشخصي. يختم منير الرواية بتكثيفها فيما يدعي أنه حكى بعضاً مما عاشه منذ التقاعد في «سردية لولبية». وذلك هو طموح هذه الرواية إلى ما تكونه، مما سنحاول أن نتبيّن ما تحقق منه.

تحديات الوعي

تشتبك في هذه الرواية الأنا المفردة (منير) بالنحن المغربية بالآخر الفرنسي، فالعالم. ويتجلى ذلك منذ الفصل الأول «زيارة مسقط الرأس». تبدأ الرواية بيوم منير الأول في التقاعد بعد سبعة وأربعين عاماً من وصوله إلى فرنسا، فتغمره رغبة كاسحة في أن يسرد رحلته بطريقة ما، وليست الرواية غير ذلك.

بعد زيارته الى مسقط الرأس «دبدو»، يشعر منير بأنه وزع بين ألق الغرب وما هي «دبدو» عليه من البساطة والعتاقة والبعد من دينامية المعرفة والخيال. وكان منير قد عاد إلى الوطن منتشياً بتوهماته بأنه يزرع الجينات الحضارية في أحشاء دبدو، لكنه أحس أنه غريب عنها، على رغم أنه غادرها في العشرين. وفي وعي الذات ووعي الآخر، يحاول منير استعادة شريط حياته وهو في ضيافة الآخر. وتبدأ الاسترجاعات (الفلاشباكات) بالتدفق في الفصل الثاني «في بلاد الأنوار»، حيث ينتقل السرد من الأنا في الفصل الأول إلى الهو في هذا الفصل. ومنذ هذا الفصل، تتعدّد محاولات تنويع اللعبة الفنية، فتتوالى الرسائل واليوميات ومقطعات مما «قال الراوي» أو «يقول الراوي»، وإذا لم يكن من ضرورة لتقطيع هذا القول، فهو في جريانه سرد متواصل تقطعه فقرة «قال منير» لمرة واحدة.

وكما هي الحال في روايات ما درجت تسميته بـ «شرق – غرب»، تكون المرأة هي الحامل السردي. فبعد أيامه في دبدو، يتابع منير عودته الأولى إلى الوطن عبر أيام في الدار البيضاء، بحيث يلتقي بالأستاذة العزباء (ف.م) التي تدعوه إلى شقتها، ويذهله أنها تجسر على اختيار رجل. ومن ثم تجيب مطولاً عن رسالة منه بعد عودته إلى باريس، فتحضه على الكتابة ليحتمي من الملالة وشكوك الوجود. وهي سبق أن حاولت الكتابة وأخفقت، غير أنها تتوقع أن ثقافة منير في الإبداع والفلسفة ستسنده، وتخمن أنه يحمل بذوراً شعرية أو قصصية أو روائية، وما لذلك من دور في الرواية، إلا أنه يعزز فحولة البطل وفردانيته، هو الذي كانت أولى نسائه في بداية عهده الباريسي جوسلين السويسرية الماركسية.

أما ذروة ذلك العهد فكانت مع كاترين جيرو، التي انتسج الحب بينهما في أجواء ثورة الشباب الفرنسي عام 1968. وفي ضيعة كوليت البورجوازية المهووسة بـ «الحرياتية»، تقوم الخلوة التي يمضي إليها منير وكاترين مع آخرين، ليمضي السارد إلى علاقة كوليت بحبيبها الهندي راجي، وإلى عهد كوليت في الهند، والحب والجنس في الشرق الهندي.

قبل زواج منير وكاترين وبعده، تظلّ الشراعة الأكبر على وعي الآخر، ومن ذلك إنجابهما بدر، فالعلاقة المثلية بين كاترين ولويز، فانفصال كاترين ومنير نتيجة تلك العلاقة. ويتصل بتلك الشراعة ما سيلي لمنير من علاقات بعد الطلاق، وفي شيخوخته.

تحديات التسريد

يبدأ منير باستحضار تاريخ (دبدو) المجيد منذ زيارته لها. ويغلب أن تأتي المعلومة عارية، كما في الحديث بحسرة عن إمارة دبدو المستقلة (1430 – 1550) وعن ازدهارها إثر هجرة يهود إشبيلية إليها، حاملين معهم حضارة الأندلس. ويذكّر حضور اليهود المتواتر في «موت مختلف» بتواتره في الرواية العربية في السنوات الأخيرة، كما في روايات علي المقري والحبيب السائح وإبراهيم الجبين، وهو ما يغمز منه بعضهم كإغواء للترجمة.

وفي رواية برادة يلي حديث منير عن مقبرتي اليهود المغلقتين إثر رحيلهم إلى إسرائيل أو الخارج، وهم من وفدوا منذ قرون و»تعايشوا مع المغاربة» لكأنهم لم يصبحوا مغاربة بعد قرون، لكنّ منير يتحدث من بعد عنهم كمغاربة. وفي رسالة إلى صديقه ألبير، يسوق منير «مداخلة» في الدورة الحضارية، وفي تجربة عبدالكريم الخطابي، قبل أن يبلغ الزلزال الفرنسي في أيار (مايو) 1968.

وعلى العكس مما هو متوقع، يكون لفرنسا النصيب الأكبر من التأرخة، بحيث يتعزز تحدي تسريد المعلومة والوثائقية في عملية كتابة التاريخ السياسي الفرنسي في النصف الثاني من القرن العشرين، وعبر ذلك تأتي أيضاً محاولة كتابة للتاريخ الثقافي. فمن ظاهرة بريجيت باردو وفرانسواز ساغان ورومان كاري إلى قيادة ميتران الحزب الاشتراكي وفرنسا ومن تلاه من رؤساء فرنسا وصولاً إلى هولاند.

وهنا يبرز تحدٍّ آخر لفن الرواية بعامة، هو محاولة الرواية أن تكتب ما يسمى بالتاريخ الجاري – الساخن، أي الراهن. فرواية برادة تواصل التأريخ إلى عشية نشرها في نهاية 2016. ولا يغيب هذا التحدي عن وعي الرواية لذاتها. فالسارد يشبه منير بالروائي المهموم أولاً بتحديد حاضر الرواية، ويقرر أن الحاضر زئبقي. وفي الفصل الأخير (كابوس مقيم) يعين الكابوس بالمذابح في العراق وسوريا وأفغانستان وليبيا وفلسطين، ما يتواتر في فرنسا أيضاً. ومن اللافت أن يكتفي السارد أو منير بهذا العبور في سطور بالزلزلة العربية التي ابتدأت في 2011.

يشتبك الفكري بالتاريخي في تحدي التسريد، كما يستقل عنه. وربما يجد ذلك علّته في دراسة منير الفلسفة وعمله بتدريسها، وفي حالات التأمل والتفلسف التي أخذت تلفه إثر عودته من المغرب. لكنّ الأمر يلتبس بالاستعراض الثقافي، كأن تحاصر منير وسط الشارع مقولة سبينوزا في الفرح، وكيف يشرحها لطلابه، أو أن يحشد الأفلام التي شاهدها، والكتب التي قرأها من مؤلفات دولوز ورشاد روني وتوماس بيكيتي وبرنارد ستيكلير. وقد أبدعت الرواية في رسم كل ذلك كعلامات فارقة في تكوين شخصية بطلها، منذ نشأته إلى شيخوخته التي يعزم على أن يتعلم كيف يمجّدها، أسوة ببطل ماركيز في روايته «غانياتي...»، وحيث يعزم على أن يحقق حلمه الميترو بوليسي في تشييد دبدو الجديدة التي ستتسع لعشاق العالم ومضطَهديه.

في نهاية الرواية، يلتقي منير وابنه بدر في حوارية تنادي المسرح، وتبدو كأنها حوار أفكار في الهوية وسواها، يتضاءل أمامها الشخصي بين أب وابنه. وفي هذه النهاية، يتحدد اختيار عنوان الرواية في تطلع منير إلى «موت مختلف». ومن أجل ذلك، يقرر توزيع إقامته بين دبدو وباريس، ويعزم على إقامة فندق في دبدو، بينما يقلب «كوجيتو» ديكارت ليصير: «أنا أموت فإذن أنا موجود». وفي ذلك يقوم التحدي الروحي والفكري الأكبر الذي يصهر ما واجهت رواية «موت مختلف» في بوتقة الإبداع الروائي، حيث امتياز محمد برادة روائياً وناقداً أيضاً.

عن موقع جريدة الحياة

جريدة الحياة

“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)