ليالي تماريت، أمينة الصيباري (المغرب)، رواية دار النشر سليكي أخوين - طنجة - 2019

, بقلم محمد بكري


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
الجمعة 2019/12/13 - السنة 42 - العدد 11557
الصفحة : ثقافة
القاهرة


"ليالي تماريت".. صحافية تكتب مآلات حبها الأول بطلاء الأظافر


الكاتبة المغربية أمينة الصيباري تكشف معاناة امرأة خسرت أنوثتها في روايتها الأخيرة “ليالي تماريت”.


الكاتبة المغربية تسعى إلى التأثير على وجدان القارئ


يعتبر تيار الوعي تمشيا هاما إذا ما أراد الكاتب الكشف عن فكرة ما أو معالجتها من جوانب مختلفة، مستفيدا من تقنيات تجريبية متنوعة، مثل الإبلاغ الذاتي والمونولوج وغيرها، لتحقيق الوصول السهل إلى الأفكار التي يريد طرحها. وهذا النمط من الكتابة هو ما اختارته الكاتبة المغربية أمينة الصيباري في روايتها الأخيرة.

في رواية “ليالي تماريت” لأمينة الصيباري تأخذ اعترافات غادة العفوية، ومنذ الصفحات الأولى اهتمام القارئ، حيث صحافية شابة جميلة تكتب لقارئها عن نفسها بمدَاد القلب، ما يعبر عن معاناة عزلتها، كأنثى مصابة في كبريائها، معلنة أن من تسبب في ما حصل لها هو الرجل الوحيد الذي أحبته.

الرواية، نسجت ملابسات حكاية غادة وعالمها الحزين المتشابك من خلال ذكرياتها حين كانت طالبة جامعية وأحبت أستاذ الجماليات والبلاغة بكلية الآداب “فريد العطار”. ووقع لها بعد ذلك ما يقع للكثيرات من علاقات الحب، أعقبها زواج قصير وطلاق، خلف لها وللكثيرات عقدا نفسية، لا يتمكنَّ من البرء منها.

عزلتها تصور لها، قناعات ترضيها، وتفسر بها ما وقع لها، فتعمّمه على الجميع لترتاح من أحزانها. قناعتها مفادها أن المرأة لا تحتاج إلى عقل لتفكر به، بل تحتاج إلى أن تكون جميلة ومدللة فقط، لتكمل ديكور المنزل الجميل، كتحفة فنية يتباهى الزوج بها.

كتابة هذا اللون السردي، الذي يستبطن الشخصية نفسيا، ويكتب بقلم كاتبة ستكون له تأثيرات عميقة على وجدان القارئ، لأن هذه الكتابة في وجه من وجوهها بوح عن أحزان عالم أنثوي سري لا يعرف تفاصيله الكثيرون.

الكتابة لعنة

استخدمت الكاتبة في روايتها، الصادرة مؤخرا بالدار البيضاء، الضمير المتصل “أنا” في السرد، مما مكنها من نقل أحاسيس ومشاعر تلك الأنثى. فجسدتها عبر منلوجات قصيرة بليغة. نقلت بلاغتها إلى عزلتها في شقتها وأحزانها من خلال علاقتها بالوقت و“بامحمد” ركين سيارات الحي، الذي يحرص على تلبية طلباتها من الحوانيت المجاورة، وصديقتها الصحافية منى وزوجها إبراهيم. وهما يعملان معها في مجلة “المقام”، من خلال تمثل تيار الوعي بين الطرفين غادة والقارئ.

مثل المتن ما يحيط بغادة من ظروف، وأحوال المكان والأشخاص المحيطين بها عبر رسائل قصيرة. ساهمت في رسم سايكولوجية البطلة المهزومة. كقولها “الكتابة لعنة” و“أكتب خربشاتي بطلاء الأظافر، كطفلة تحاكي أمها في الزينة” ساخرة من الكتابة، معتبرة إياها خربشات طفلة.

وفي مكان آخر تقول “أفظع شيء يمكن أن يحدث للمرء أن تنبت للإنسان بواسير دماغية تمنعه من التفكير”. التفكير مهم، ولكن جعله مؤثرا بالآخر من خلال الكتابة، خربشة لا معنى لها، وهذا يرسم صورة لـ”غادة” القوية في مظهرها، والضعيفة في داخلها حدّ الانهيار والبكاء، لأقل حدث عابر يمر بها أو كلمة خادشة تسمعها حتى من أقرب الناس إليها. فهي تقرر ترك بيت الأسرة بعد طلاقها وعيشها لفترة مع أمها وأختها بعد أن سمعت وشوشة أختها “لطيفة” لأمهما، وكانت أختها تخطط للزواج من خطيبها والعيش في بيت الأسرة، ووجود غادة عقبة لتحقيق هدفها. فلم يكن أمام غادة غير قرار العزلة عن الأهل والأصحاب والانزواء في شقة اكترتها، لتقييم ما مر بها، وما كابدته من تجربة الزواج الفاشلة.

تعيش غادة بعد طلاقها بين الرباط والدار البيضاء تحاور الفنانين والكتاب، وتكتب وتنشر مختلف القضايا الثقافية في المجلة. يجذب المهندس عماد وضعها كمطلقة، ومظهرها الجذاب، الذي ينمُّ عن قوة ظاهريّة، وكذلك اختلافها المهني عن كثير من زملائها في مهنة الصحافة، واتصافها بالأمانة.

حاول عماد الذي أغراه وضعها كمطلقة أن يقنعها بموافاته إلى دعوة عشاء، وحين فشل. بذل مجددا عدة محاولات، لكنها كانت بلا فائدة، فتقدم لخطبتها، لكنها رفضت كل عروضه وإغراءاته بالاقتران بها. فهي في عمقها كما عبرت له لا تزال متزوّجة بفريد العطار، مخلصة لحبيبها الأول بالرغم من طلاقها منه منذ وقت طويل.

غادة رسمتْ ملامحها من خلال تداعياتها في ليلها الطويل الذي يمر بها من دون أن يغمض لها جفن. فهي تعاني من أرق متواصل، مما عانته من صدمتها بحقيقة زوجها السابق، وانعدام إنسانيته وكذب دعواه بحبها في قصائد ديوانه الشعري وقصائده المنشورة في الصحف والمجلات.

حادث سير

تشعر غادة من خلال علاقتها بالرجال في العمل، وكل مكان تحلُّ فيه بقوة جذب “المطلقة” للرجال المتزوجين، لكنها لا تعرف السر في ذلك. وحالما يعرف علي الريسوني زميلها السابق في كلية الآداب، أنها مطلقة وكان متزوجا، حتى يهرع إليها محاولا استمالتها، للزواج منها، زاعما أنه كان يحبها من طرف واحد أيام الجامعة. وبرر لها عدم بوحه لها بحبه حين كانا طالبين لمعرفته بعلاقة الحب، التي كانت تربطها بأستاذها فريد العطار. تكاد غادة أن تركن لعرضه بالزواج منها، لولا مهاتفة من صديقتها منى في آخر الليل تخبرها فيها أن طليقها يقبع حاليا في ردهة العمليات الخطرة بمستشفى السلام، بسبب حادثة سير.

الحادثة التي وقعت لطليقها تفجر فيها ذكريات مريرة عن الصدمة، التي تعرضت لها حين كانت زوجته، فمستشفى السلام يذكرها بطلب العطار منها أن تجهض في ذات المستشفى بعد أن علم بحملها منه، لأنه لا يحتمل وجود طفل يزيد العالم بؤسا. وتتساءل بألم مرير لماذا في هذا المستشفى أيضا، وليس في غيره أذهب لأراك فيه، وربما لآخر مرة؟

تتناول الكاتبة تلك المأساة التي مرت بحياة غادة الزوجية من خلال تقنية تيار الوعي، فإذا هي لا تزال زوجة للعطار، فرحة بحبيبها الذي تزوجته، وبالحياة معه، محاولة أن تجعله يكتب قصائده الثورية، التي تمجد الوطن، وتحمل في لغتها أمنيات طيبة بالسعادة والرخاء للجميع. وما أن بدت عليها علامات الحمل وأعلمته بذلك، حتى تحول ذلك الشاعر المفعم بالمشاعرالجياشة إلى شخص آخر، لا رحمة في قلبه، وطلب منها أن تجهض، ما دام الحمل لم يبلغ العمر المحدد الذي يمنع الشرع إجهاضه.

حاولت غادة مرارا ثنيه عن طلبه، لكنه كان مصرا. واتفقا بعد وقت قصير مع طبيبة بالمستشفى الخاص، الذي يرقد فيه حاليا في حالة خطر شديد، على إجراء عملية إجهاض طفلهما. الإجهاض الذي تصفه الكاتبة بدقة، وما واجهته من آلام، لحرص الطبيبة على إجراء العملية من دون تخدير، لئلا يقع لها ما لا يحمد عقباه، ويعرضها للمساءلة القانونية، وكذلك لتوفير أجرة طبيب التخدير، ومادة التخدير، فهي تعتبر هذه المصاريف بلا مبرر.

شعرت غادة بإهانة بالغة لأنوثتها، مما حدث لها في تلك الغرفة في قبو سرداب المستشفى، المستعمل لحفظ المعدات التالفة. وأورثتها تلك العملية صدمة لم تبرأ منها حتى بعد إجراء العملية. وبعد خروجها من المستشفى رفضت العودة إلى شقة زوجها، وانتقلت إلى بيت أسرتها، وفشلت محاولاته لمصالحتها بالرغم من محاولاته المتكررة. وكان ردها الوحيد أنها تطلب الطلاق منه، الذي حصلت عليه أخيرا.

وتعيدنا غادة إلى الحاضر عندما تودع فريد العطار الوداع الأخير في مستشفى السلام الذي كان شاهدا على قتل أنوثتها، وطفلها معا بطلب من حبيبها المسجى أمامها الآن جثة هامدة لا حراك فيها.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF

عن جريدة العرب اللندنية

العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)