طشّاري، انعام كجه جي (العراق)، رواية دار الجديد، بيروت - 2013

, بقلم محمد بكري


جريدة الأخبار اللبنانية


العدد ٢٢٨٢ الثلاثاء ٢٩ نيسان ٢٠١٤
جريدة الأخبار
ادب وفنون


خليل صويلح


جدارية الأحزان


لن يربكنا معنى عنوان رواية العراقية إنعام كجه جي (1952) «طشّاري» (2013، دار الجديد). سنجده في المتن، على لسان الراوية «تطشّروا مثل طلقة البندقية التي تتوزع في كل الاتجاهات. إنهم أهلي الذين تفرّقوا في بلاد العالم مثل الطلق الطشّاري»، الرواية إذاً عن الشتات العراقي، وهذه المرّة سنتتبع حكاية الطبيبة الثمانينية ورديّة اسكندر التي تضطر لمغادرة بغداد إلى باريس، إثر حوادث تفجير الكنائس هناك، على كرسي متحرّك. ستروي الطبيبة حكايتها للابنة التي سبقتها إلى المهجر. وبدلاً من أن نقع على حكايات من بلاد «ألف ليلة وليلة»، سنجد أنفسنا في بلاد «ألف ويلة وويلة»، أو «أطلس الويلات» وفقاً لما تقوله الراوية. وسوف تتفرّع الحكاية إلى بحث في الجذور.

نتعرّف إلى تلك العائلة التي هاجرت من الموصل إلى بغداد، فيما تجد الطبيبة الشابة نفسها في مدينة الديوانية كأول طبيبة عراقية تذهب إلى الأرياف. لكن ذكرياتها الحميمة، ستتشكّل هناك بأقدار لم تضعها في الحسبان يوماً. في الديوانية، تتعرّف إلى زميلها في المستشفى جرجس، وتوافق على الزواج منه. وسوف تمضي قسطاً كبيراً من حياتها في هذه المدينة محاطة بحبّ الأهالي، قبل أن تنتقل إلى بغداد. وستصبح عيادتها في العاصمة نقطة علّام لكل من زارها يوماً.

تتناسل حكايات صاحبة «الحفيدة الأمريكية» في رسم جدارية الفقدان والاغتراب والتشظي بين جغرافيات العالم، فيما ينهمك الابن «اسكندر» بإنشاء «مقبرة الكترونية» على شاشة الكمبيوتر، تضم بين جنباتها قبور من رحلوا بين بغداد ومدن العالم، و«حجز قبور» للأحياء إلى جوار الموتى. كأن العراقي المهاجر مهموم بمكان قبره أكثر من اهتمامه بما تبقى من حياته المشطورة بين ماضٍ سعيد رغم علله، وحاضر منذور لبلاد الاغتراب. الحنين زاد المهاجر، ما يغذّي السرد بمدوّنة ثقيلة للألم والذكريات والاعترافات، فبالحكي وحده تخفف وردية ثقل همومها وعمرها الممزّق بين أمكنة مختلفة، تحت وطأة الخراب الذي حاصرها في شيخوختها، فهي سبق ورفضت الهجرة إلى كندا. لكنّ حصاراً آخر أكثر فزعاً، أرغمها على اللجوء إلى باريس، وها هي تتأمل قبرها في المقبرة الالكترونية كنوع من التعويض عن خسائر عمرها، في بلاد الاغتراب.

ليس ما ترويه إنعام كجه جي، حكاية طبيبة عراقية رائدة، بل جدارية للأحزان، إذ تُطَعِم نصها بالأمثال والموروثات الشعبية، بالإضافة إلى مفردات عامية تبدو سطوتها الوجدانية أقوى من الفصحى في التعبير عن الشجن العراقي، كما تستعيد مقاطع من أغنيات عراقية مشهورة لشحن الحكاية بما ينقصها من مجاز لوصف أحوال بلد منكوب «لا يلتقي الأقارب فيه إلا في الجنازات».

ليست «طشّاري» سيرة عائلة منكوبة، بقدر ما هي سيرة بلاد ممزّقة الأحشاء، يصعب ترميمها بسهولة، وليس أمام الراوية هنا، إلا أن تستعيد مهنة جدتها الأولى شهرزاد، لكن بحكايات غير مسليّة، وإن لم ينقصها التشويق.

عن موقع جريدة الأخبار اللبنانية


مقالات «الأخبار» متوفرة تحت رخصة المشاع الإبداعي، ٢٠١٠
(يتوجب نسب المقال الى «الأخبار» ‪-‬ يحظر استخدام العمل لأية غايات تجارية ‪-‬ يُحظر القيام بأي تعديل، تحوير أو تغيير في النص)
لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر تحت رخص المشاع الإبداعي، انقر هنا


من المقالات الكثيرة عن هذه الرواية في وسائل الإعلام العربية :

مقال جريدة الشرق الأوسط : إنعام كجه جي في «طشاري» تروي تشرذم العراقيين

مقال ميدل ايست أونلاين : ’طشاري’... لا أبطال في الفواجع ياصاحبي

مقال موقع إيلاف : انعام كجه جي تفوز بجائزة لاغاردير

مقال جريدة رأي اليوم : احمد عواد الخزاعي: اختزال الأزمنة العراقية في رواية (طشاري)

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)