روايات نجيب محفوظ بين الرسم والأزياء

, بقلم محمد بكري


العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977


جريدة العرب
الأربعاء 2018/03/14 - السنة 40 العدد 10928، ص(15)
الصفحة : ثقافة
القاهرة - شريف الشافعي


روايات محفوظ تلهم الرسامين ومصممي الأزياء


لا ينفد معين الأديب الأبرز نجيب محفوظ، ولا تنتهي مداخل قراءته ونوافذ الإطلال على عالمه الخصب وشخصياته الثرية، ويأتي أفق الفنون البصرية والتشكيلية ليفتح فضاءً رحبًا لقراءة أديب نوبل، وهو ما التفت إليه الكاتب والباحث أشرف أبواليزيد في دراسة جديدة. “العرب” التقت أبواليزيد ليلقي الضوء على سرديات محفوظ وتشابكاتها التشكيلية.

هل يمكن قراءة محفوظ بعيون الرسّامين والنحّاتين الذين ترجموا رواياته وقصصه من لغة الحروف إلى لغة التشكيل، للوصول إلى طرح مغاير وتصورات مختلفة حول رؤيته للفن والعالم؟ سؤال يجيب عنه أشرف أبواليزيد (55 عامًا) بالإيجاب في كتابه “نجيب محفوظ – السارد والتشكيلي”، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

يتقصّى أبواليزيد ما يربو على ستين عامًا من تفاعل التشكيليين مع العم نجيب، بداية من تجربة الحسين فوزي بـ”الرسالة الجديدة” في 1954 لرسم “بين القصرين”، مرورا برسوم “أولاد حارتنا” في “الأهرام”، وصولا إلى أحدث تجليات فناني الكوميكس والغرافيتي ومصممي الأزياء الشعبية الذين استلهموا العوالم المحفوظية.

انفتحت تجربة محفوظ على الفنون التشكيلية والبصرية، وأثرت هذه الفنون في أدبه وحياته شأنها شأن السينما التي ارتبط بها بشكل وثيق، ومالت كتاباته إلى التكوين المعماري المجسم، وترجيح الكتلة على اللون.

إعادة الاكتشاف

يجدر بالأعمال الثرية إعادة الاكتشاف. ينطبق ذلك بالتأكيد على نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911 /30 أغسطس 2006)، الذي لا تكاد تمرّ أسابيع قليلة حتى يتواصل مبدعون ونقاد مع أعماله بأطروحات جديدة.

في نوفمبر الماضي، خاض مجموعة من الشباب تجربة أسفرت عن صور فوتوغرافية تعبّر عن عوالم محفوظ، بداية من روايته “همس الجنون” حتى آخر أعماله القصصية “أحلام فترة النقاهة”، وقدّمت الفنانة هند وهدان مع 13 فنانا شابًّا بمركز ساقية الصاوي الثقافي في القاهرة “فتوّات الحرافيش” و“سي السيد” والأم “أمينة” وشخصيات محفوظ الشهيرة.

يرى أبواليزيد أن عالم محفوظ الثريّ لا يجب أن يقف عند حدود النقد وقراءة النص أدبيًّا، لكنه جدير بإعادة الاكتشاف من قبل مدارس ووجهات نظر وعلوم اجتماع الأدب وغيرها، فمن هنا يمكن العثور على جديد. ويحكي صاحب كتاب “السارد والتشكيلي” أن الجديد لديه في هذا الصدد بدأ مبكرًا بنظرته للمعالجات التشكيلية لأعمال محفوظ، ولأن النصوص السردية عملاقة، استدعت فنانين عمالقة، وكان لكل منهم مدرسته الخاصة، ولم يتضمّن الكتاب سوى القليل من الأعمال الفنية التي تتناول عالم محفوظ، وهذا الاقتصاد جاء بسبب عوامل فنية واقتصادية لناشر حكومي “هيئة الكتاب”، لا يستطيع أن يقدّم أكثر من ذلك.

ويحلم أبواليزيد بفتح صفحة إلكترونية على الإنترنت يخصّصها للأعمال الفنية التي تناولت عالم محفوظ، وهي أعمال للعشرات من الفنانين المصريين والعرب.

ويقول لـ“العرب”، “سيوفّر لها المحبّون الإضافات الضرورية، لتكون في ما بعد مرجعا لدارسي الفن والأدب على حدّ سواء. وأتصوّر أنه باب جديد، من المنتظر أن يمر من خلاله ناظرون سواي، يتأملون نصوص نجيب محفوظ بلغة الفن”.

تقدّم أطروحة قراءة نصوص محفوظ من خلال تجسيداتها التشكيلية صيغة تسهم بشكل إيجابي في تجديد الدرس النقدي.
النص والريشة

معروف أن السينما أبرز الفنون التي امتد إليها الأثر المحفوظي كمصوّر بارع يحتفي بالتفاصيل ويرسم وجه الحياة، ومن علاقة محفوظ بالسينما اتسعت دائرة اهتماماته بالفنون البصرية، لتشكّل محورًا ركينًا من نسق رؤيته الشاملة للفن وللعالم.

ولا يقف تأثير محفوظ التشكيلي عند التصوير الكلاسيكي، وإنما يمتد إلى الفنون الأخرى المرتبطة به كالحفر والرسم والكاريكاتير والشرائط المصورة (كوميكس) والنحت، وأغلفة الكتب، وملصقات الأعمال الفنية والفعاليات الثقافية، بل والرسوم الجدارية (غرافيتي)، وتصميم الأزياء.

ويعيد أبواليزيد اهتمام محفوظ اللافت بالتشكيل إلى صفة كامنة وحاضرة لديه، مشيرا إلى أن ارتباطه بالفنانين حوله من مصوّرين وسينمائيين وفي دائرته القريبة ضمن أصدقائه الحرافيش، وعمله المرتبط بالسينما وكتابها ومخرجيها، من أهم أسباب زراعة التشكيل في قلبه وفي قلب أعماله السردية.

ويسترجع أبواليزيد مقولات لنقاد وتشكيليين سابقين، حاولت فلسفة المعادل البصري لشخصيات محفوظ وطقوسه وأنساقه اللغوية وأخيلته السردية. ويرى أن التشكيل أقصر الطرق وأرحب النوافذ لكشف عالم محفوظ، ويصف أبواليزيد هذا المدخل بأنه “شاعب متشعب”، ويتقصّى في كتابه مشروعات مستقلّة بذاتها لترجمة أعمال محفوظ إلى فنون بصرية، مركزًا على لوحات: الحسين فوزي وجمال قطب وسيف وانلي وحلمي التوني ومحمد حجي وصلاح عناني، وغيرها من التجارب الأحدث في الكوميكس والغرافيتي والبورتريه وتصميم الأزياء.

واستهل أبواليزيد رحلته بمشروع الحفار البارز الحسين فوزي في مجلة “الرسالة الجديدة” في العام 1954 لرسم رواية “بين القصرين”، ثم مشروعه الأشهر في صحيفة الأهرام، لنشر رسوم رواية “أولاد حارتنا” مسلسلة يوميًّا، بدءًا من 22 سبتمبر 1959.

ومع الضجة التي أحدثتها هذه الرواية في ذلك الوقت، تجلت خصوصية فوزي من خلال تيماته الشعبية واستخدامه الضوء وأشكاله المتآلفة، مع احتفاظ الفنان بالروابط الثقافية والاجتماعية، وعدم التخلي عن جذوره التراثية.

ويصف أبواليزيد مشروع الفنان جمال قطب لرسم شخصيات وأغلفة روايات نجيب محفوظ بأنه “صورة مصر”، إذ لا يأتي أحد على ذكر روايات محفوظ إلا ويحضره الرسام الأشهر لأغلفتها.

إلى مشروع التشكيلي السكندري سيف وانلي، أوضح أبواليزيد أن جماليات المكان في النصوص السردية “المرايا” جاءت موازية لأنسنة الفنان التشكيلي فضاء لوحته، وتم إنجاز هذه الرسوم ونشرها مع النصوص بمجلة “الإذاعة والتليفزيون” في 1971.

ومن خلال الشخصيات المصرية، والرسوم المصاحبة، أمكن لقارئ “المرايا” أن يحس ويلمس ويشم ويسمع ويتذوق القاهرة في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي. ويقول أبواليزيد “رسوم سيف وانلي بدت كأيقونة كبيرة في المشهد الفني المعاصر بمصر، وشكلت معبرًا إلى وجوه محفوظ ودواخله”.

أما “الحرافيش” و“أحلام فترة النقاهة”، فيمكن مطالعة شخوصهما من خلال تجربتي الفنانين حلمي التوني ومحمد حجي. أما ثورية محمد حجي، فقد اتسقت مع ثورة محفوظ على الصيغ التي آنسها وآلفها، فجاءت “أحلام فترة النقاهة” مصحوبة برسوم ذات طابع سوريالي، وكأنها أحلام موازية أيقظتها روح محفوظ لدى الرسّام.

ويستعرض تجارب تشكيلية أخرى ذات صلة وثيقة بأعمال محفوظ، منها “الحارة الحالمة” لصلاح عناني، ومشروعات “الكوميكس” و“الغرافيتي” لدى الشباب، ومن ذلك تجربة الكاتب خالد سليمان والفنان عمرو طلعت لتقديم نص كوميكس مسلسل يتناول حياة محفوظ، مستنطقًا شخصيات تتحدث مع محفوظ أو عنه منذ ميلاده حتى مشهد جنازته.

ويتسع عالم محفوظ السردي ليصير مصدرًا ملهمًا لمصمّمي الأزياء، ويأتي ذلك انعكاسًا لتأثر محفوظ ذاته بالقاهرة التي أسرته بأحيائها العريقة وفنونها التراثية الأصيلة. وقد جاء رسم نجيب محفوظ للأزياء النسائية في ثلاثيته الروائية ليفتح الباب لابتكار تصميمات شعبية ومعاصرة لأزياء راقية، ويقول أبواليزيد “تأثير النص المحفوظي على الملابس النسائية ثابت، بشهادات ودراسات لباحثين مختصّين في الأزياء والفلكلور”.

عن موقع جريدة العرب اللندنية

المقال بالـ PDF

عن جريدة العرب اللندنية

العرب : أول صحيفة عربية يومية تأسست في لندن 1977

صحيفة العرب© جميع الحقوق محفوظة

يسمح بالاقتباس شريطة الاشارة الى المصدر

عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)