حياتي، أحمد أمين (مصر)، سيرة ذاتية أحمد أمين إبراهيم (1886 - 1954)، أديب ومفكر ومؤرخ مصري

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الإثنين، ١٧ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٦
جريدة الحياة
ابراهيم العريس


«حياتي» لأحمد أمين: طريق إلى العقل والإصلاح


«من ألّف «فجر الإسلام» و«ضحى الإسلام» و«ظهر الإسلام»، أبقى على الأيام من أن يموت. فلقد أهدى أحمد أمين الى العالم الحديث (...) كنزاً من أقوم الكنوز وأعظمها حظاً من الغنى وأقدرها على البقاء ومطاولة الزمان». كان هذا ما كتبه طه حسين ذات يوم عن زميله الكاتب والمفكر المصري أحمد أمين، الذي تمكن بأعماله المذكورة هذه من عقلنة التاريخ الإسلامي في شكل لا سابق له. غير أن جهد أمين الفكري لم يقتصر على تلك المجموعات التاريخية الفكرية الثلاث، بل نجده يكتب ويجدد في عدد من الأصناف الفكرية. وهذا كله إضافة الى خوضه مضماراً لم يكن له شأن واسع في الكتابة العربية، من قبل حتى وإن كانت علّمته نصوص تصدر بين الحين والآخر: السيرة الذاتية. غير ان خوض أمين في هذا المجال، لم يكن سردياً او تبريرياً او من نوع العودة عن الضلال، بل كان غوصاً في الذات غير هيّاب يحفل بالجرأة والشفافية. وهو تجلى في واحد من أشهر كتبه وكتب السيرة الذاتية التي صدرت في العربية في القرن العشرين. وهو الكتاب الذي عنونه بكل بساطة «حياتي»...

والحقيقة ان كتاب «حياتي» صدر في منتصف القرن العشرين تماماً، وكنوع من التتويج لسلسلة كتب في نفس السياق راح يصدرها في تلك المرحلة «الليبرالية» الرائعة من التاريخ المصري الحديث، عدد من كبار مفكري مصر، من طه حسين الى أحمد لطفي السيد ومن زكي مبارك الى محمد حسين هيكل وغيرهم. ومع هذا فإن «حياتي» أتى متمايزاً في تعامله مع حياة مؤلفه في تفاصيلها، ولا سيما العائلية منها حين أصبح لاحقاً ذلك المفكر ورب العائلة. وهو ما استكمله لاحقاً واحد من أبنائه حين وضع هو الآخر كتاباً عن تلك الحياة العائلية منظوراً اليها من داخل البيت.

ولعل خير ما يمكن قوله عن «حياتي» هنا، هو ما قاله مؤلفه نفسه في تقديمه طبعته الأولى: «لم أتهيّب شيئاً من تأليف ما تهيبت من إخراج هذا الكتاب. فإن كل ما أخرجته كان غيري المعروض فيه وأنا الفارض او غيري الموصوف فيه وأنا الواصف، وأما هذا الكتاب فأنا فيه العارض والمعروض والواصف والموصوف، والعين لا ترى نفسها إلا بمرآة، والشيء إذا زاد قربه صعبت رؤيته، والنفس لا ترى شخصها إلا من قول عدو او صديق، او بمحاولة للتجرد تم توزيعها على شخصيتين: ناظرة ومنظورة وحاكمة ومحكومة، وما أشق ذلك وأضناه».

والحال ان قراءة «حياتي» ترينا كيف تمكّن أحمد أمين من تفادي الأفخاخ التي يقيمها هذا النمط من الكتابة، لكنها في الوقت نفسه، وبشهادة كل الذين كتبوا عنه تقدّم لنا «خير مرجع لمن يدرس العالم المبتكر للأديب، كرائد من رواد الإصلاح والحركة الفكرية الحديثة، بل خير مرجع تاريخي للنهضة المصرية الحديثة وللحركات الاجتماعية والسياسية والفكرية التي واكب أحمد أمين مسيرتها في عصره».

ومن المؤكد أن صفحات «حياتي» تقدم لنا صورة واقعية لتلك الحياة التي أنتجت ذلك الكاتب والمفكر الذي يرى عدد كبير من المؤلفين والباحثين أن ليس ثمة ما يفوق، في مجال التأريخ للفكر الإسلامي في سنوات نشأته الأولى، ما جاء في مجموعة الكتب التي وضعها وأبرزها «فجر الإسلام» و»ضحى الإسلام» و»ظهر الإسلام» والتي يربو عدد أجزائها معاً على تسعة أجزاء. ولو لم يكتب أحمد أمين سوى هذه الدراسات الموسوعية، لكان في الإمكان اعتباره واحداً من كبار نهضويّي وتنويريّي الفكر الإسلامي. غير ان أحمد أمين، الذي رحل عن عالمنا في العام 1954 عن عمر لا يزيد عن الثماني والستين سنة، زوّد المكتبة العربية والإسلامية كتباً عدة أخرى يقف كل واحد منها، وعلى الأقل في زمن كتابته وصدوره، فريد نوعه في مجاله، فمن تأريخه لفكر عصر النهضة في «زعماء الإصلاح في العصر الحديث» حيث ألقى اضواء كاشفة على العديد من أبرز المفكرين الذين سعوا إلى التجديد في الفكر الإسلامي وليس داخل مصر وحدها بالطبع، الى اجزاء كتابه الفذ «فيض الخاطر» الذي جمع فيه، في ألوف الصفحات، مقالاته النقدية والفكرية المتنوعة، ثم بخاصة الى سيرته الذاتية التي كانت فتحاً في هذا المجال، لأن أحمد أمين رسم فيها صورة صادقة وحنوناً لحياته، ومسارها المعيشي والفكري ندر ان رسم مثلها قلم من قبله، في حضارة عربية - اسلامية اعتادت قبله ان تضع «الأنا» في الصف العاشر من الأهمية.

ويرينا كتاب «حياتي» كيف تمكن أحمد أمين طفلاً ثم شاباً ودارساً وقبل أن يصبح ناقداً ومؤرخاً ومفكراً، من طينة ابراهيم المازني وجرجي زيدان وأحمد لطفي السيد، من أن يصل ليسير على الطريق الموسوعي التنويوي نفسه الذي سار عليه من بعده مفكرون من طراز عباس محمود العقاد وطه حسين. وجميعهم ينتمون الى ذلك الرعيل الذهبي من المفكرين الذين صنعوا للفكر العربي - الإسلامي نهضته العقلانية والليبيرالية منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى بدايات سنوات الخمسين من القرن التالي له، أي بالتحديد حتى الزمن الذي رحل فيه أحمد أمين، فكان موته أقرب لأن يكون علامة ذات دلالة.

ولد أحمد أمين في 1886، وهو لئن كان شامل الاتجاهات وغامضها في سنوات شبابه الأولى فإن حادثة دنشواي ثم ثورة 1949 وتعرفه على بعض المقربين من سعد زغلول، كل هذا أحدث لديه تلك الانعطافة الفكرية والحياتية، حيث نراه يبدأ كتابة هادفة وطنية موجهة، في عز اندلاع الثورة. وهذا التوجه لن يبارح كتاباته بعد ذلك، هو الذي جعل من غائية الأدب وارتباطه بالمجتمع مقياساً لا يحيد عنه.

وأحمد أمين يروي لنا في سيرة حياته، على أي حال، خطّ سيره الذي قاده من مسقط رأسه في حي الخليفة بالقاهرة الى تربعه عرش الفكر العقلاني في مصر. ويقول لنا ان التأثيرات الأولى التي مورست عليه كانت خطب الجمعة وقراءاته البدائية والشاعر الشعبي في الحي الذي كان يحكي أجمل القصص. ويقول أمين ان ذلك كله قد نبهه باكراً الى ان الثقافة العربية ثقافتان، واحدة رسمية نشأت في القصور بعيداً عن الشعب، والثانية شعبية نشأت في أحضان الشعب فتأثر بها هذا وساهمت في تكوينه. أما الثقافة الرسمية فتأمنت لأحمد أمين عن طريق أبيه الأزهري الذي «وضع لي برنامجاً مرهقاً لا أدري كيف احتملته». كما عن طريق المدارس الحديثة التي ألحقه أبوه بها. وأما الثقافة الشعبية فلقد أمنها له اختلاطه بالبيئة الشعبية التي نما في أحضانها، وما راقبه منذ طفولته من صنوف القص والعوائد الشعبية.

> والحال ان أحمد أمين الذي تقلب في العديد من الوظائف الحكومية بعد ان درس الإنكليزية باكراً وأتيح له ان يسافر الى تركيا ثم الى أوروبا بتوجيه من أحمد لطفي السيد، ظل طوال عمره - كما يقول لنا في «حياتي» موزع الهوى بين عقلانية الثقافة الرسمية وخيالية الثقافة الشعبية، وإن كان تأثير أبيه عليه قد ألحقه بالنزعة العقلانية بصورة نهائية، وجعله، هو الذي كان برماً بصرامة والده، يسير في نهاية الأمر على منوال ما اختطّه له هذا الأخير.

إذن، بين الرحلات والعمل السياسي والتدريس والوظائف الحكومية، أمضى أحمد أمين تلك الحياة الغنية التي مكنته من ان يبرز كواحد من أهم أصحاب الفكر العقلاني، كما مكنته من ان يسم بعقلانية تلك العصور الإسلامية التي درسها في موسوعته الشهيرة، محاولاً ان يستنهض ما فيها من نزعات فكرية أصيلة تتناغم مع العقل، ونعني بذلك موسوعة «ضحى الإسلام» وما تلاها، ولعلنا لا نبتعد عن الصواب إن أشرنا هنا الى ان أحمد أمين، الى انجازاته الفكرية العديدة وإلى عقلانيته - التي كان البعض يراها متطرفة - كان من أبرز النقاد الذين سعوا إلى أن يجعلوا للأدب وظيفة اجتماعية، ومن هنا كانت جزالة أسلوبه اللغوي وبساطته، هو الذي كان واحداً من همومه الأساسية «التوصيل» أي نشر الكتابة لدى أعرض الطبقات الممكنة من الناس. وفي اعتقادنا بأن نجاحه في هذا المجال كان - ولا يزال حتى يومنا هذا - كبيراً.

إبراهيم العريس

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)