بلا أدنى أهمية، سلوى عبدالحليم (مصر)، ديوان شعر الهيئة المصرية العامة للكتاب - 2017

, بقلم محمد بكري


جريدة الحياة


الأربعاء، ١٧ مايو/ أيار ٢٠١٧
جريدة الحياة
محمد السيد إسماعيل


من بؤس العالم إلى يقين الكتابة


يظل العنوان والإهداء من العتبات الرئيسة لدخول أي عمل إبداعي واستشراف عوالمه ومقاربة تيماته الموضوعية، وهو ما نلاحظه في ديوان الشاعرة المصرية سلوى عبدالحليم «بلا أدنى أهمية» (الهيئة المصرية العامة للكتاب). يضم الديوان ثلاثة أقسام تحمل العناوين الآتية: «حجرة واحدة مفتوحة على السماء»، «قاتل تحبه الملائكة»، «بلا أدنى أهمية».

هناك إذاً تصميم واعٍ لبنية الديوان ينأى به عن أن يكون مجرد تداعيات وجدانية متباينة. ومن الطبيعي في هذه الحالة أن تحوي هذه البنية الشعرية الكلية مجموعة من التيمات والسمات الفنية المتكررة، ما يؤشر إليه هذا الإهداء: «إلى أولئك الذين يشبهون حبَّات اللؤلؤ الأبيض/ الذين يأكلون من القمامة والذين غنوا للحرية ليلاً/ وقاتلوا من أجلها نهاراً/ وإلى الكتابة التي تعيد إلينا السعادة وتعيد الألم أيضاً». «حبات اللؤلؤ الأبيض»، دال سيتكرر كثيراً في الديوان، وهو يحيل إلى أبناء الفقراء الذين غنوا للعدل والحرية وقاتلوا في سبيلهما. وتأتي «الكتابة»؛ شأنها شأن الغناء؛ لتعيد إلى الذاتين الفردية والجمعية فاعليتهما وتحققهما أو سعادتهما وألمهما. نخرج مما سبق بأن الثنائية التي تحكم بنية الديوان تدور حول بؤس العالم ويقين الكتابة بكل ما تستدعيه من التواصل مع الآخر واللجوء الى الذات والإيمان باحتياجاتها الحميمة والابتعاد عن نقائضها؛ كما يبدو من قولها: «هذا المساء/ لا تحدثني عن منطق الأشياء/ والمنهج الفكري للحداثيين/ هذا المساء/ لا تحدثني عن الموتى/ وما يفعله الساسة والنشطاء/ ورجال الدين والسائرون عكس الاتجاه/ والمتاجرون في لحوم البشر» صـ 87. تعكس السطور السابقة واقعاً مقبضاً قائماً على الصراع بين الساسة والنشطاء ورجال الدين والسائرين عكس الاتجاه والموتى والمتاجرين في لحوم البشر.

هذه الصراعات والثنائيات المتضادة تدفع الذات إلى الهروب إلى الداخل والتماس رغباتها في عوالم مختلفة. وهو ما يبدو من سطور القصيدة الأخيرة: «هذا المساء/ سيكون حديثُنا/ عن السناجب الحمراء/ عن قوس قزح/ والفراشات الملونة/ عن صوت المطر وموسيقى الشتاء الجميل/ وعن ذلك الذي غمرَني فسكتُّ» صـ88. إنه عالم أشبه بعالم الطفولة البريء المنجذب إلى ما تزخر به الطبيعة من عناصر الجمال والبهجة. يحيلنا السطر الأخير تحديداً إلى الإيمان بقيمة الحب؛ هذا الذي غمر الذات فلم تملك إزاءه إلا الصمت كأنه أكبر من أن يحيط به الكلام رغم أنه أشبه بالبداهة التي لا تحتاج سوى الإعلان عنها: «لماذا نستغرق كل هذا الوقت؟ فيما الإعلان عن الحب/ لا يحتاج كل هذه الحوارات الميتافيزيقية» صـ 78.

ولأننا لسنا أمام رؤية رومانسية للوجود، فهناك تصويرٌ دائمٌ لما يناقض قيمة الحب الذي يأتي – غالباً – مقترناً بالقتل كما يبدو من قولها: «لن يمنحنا القدر الوقت الكافي/ حتى نرقد معاً/ على سرير واحد/ وحتى يلتقط مصورو الصحف الصفراء ووكالات الأنباء/ صورة كبيرة لقلبين عاريين تماماً/ اخترقتهما ليلاً/ رصاصةٌ واحدة» صـ83.

هذه الرصاصة التي تأتي في صيغة التنكير تظل مجهولة المصدر والدافع؛ كأنها لا تستهدف سوى قيمة الحب المتبادل بين هذين القلبين العاريين. هذا القتل المباغت يجعل الذات دائماً في حالة اغتراب وإحساس بالفراغ حين تلاحظ الشاعرة – مثلاً- أن «مياه البحيرة التي كنا نجلس أمامها تجمَّدت/ وفتى المقهى يسألني عنك/ فأشير إلى الصالة الأخرى/ وأسأله أن ينظر إليها/ فيعاود السؤالَ من جديد» صـ65.

هناك افتقاد للحب وضياع للتواصل الإنساني ولكل ما هو طبيعي. ومن هنا يأتي ما يمكن أن نسميه – بتعبير حلمي سالم – «الثناء على الضعف»؛ لأنه الوحيد الذي سوف يبقى؛ كما يبدو في هذه السطور: «لا تخفِ ضعفَك/ وأنا أيضاً لن أخفيه/ لأنه الشيء الوحيد الذي سنملكه/ كأنه صرة صغيرة صنعت من قماش شفاف/ صرة تسكنها أرواحنا المتعبة/ يومَ تضيقُ الأرض» صـ95.

كما يصبح الموت أمراً اعتيادياً؛ شأنه شأن الذهاب إلى نزهة أو الذهاب إلى ممارسة الحب. ويبدو استهلال قصيدة «ذاكرة ماتت»، وهي أولى قصائد الديوان، أشبه بالتصدير العام لرؤية الشاعرة التي سوف تستمر على مدار الديوان؛ حين ترى أن «القبح يلتهم الأشياءَ الجميلةَ/ ببساطةٍ شديدة وبلا انقطاع وكأننا لا نراه» صـ 9، الأمر الذي يمكننا القول معه إن هناك مستوى من مستويات درامية هذا الديوان يتمثل في الصراع بين القبح بدوائره الدلالية المتداخلة، ودالة الجمال. هذا ما يفسر شيوع بعض الدوال المؤشرة على القبح والقسوة من قبيل؛ الطيور السوداء بوصفها معادلاً موضوعياً للتعبير عن كراهية الحياة ومعاداتها، وتشبيه الأيام بالأفعى القاسية.

وفي هذا السياق الدلالي يمكن النظر إلى رثاء الأب وتصوير تجربة المرض وتكرار دالة القتل التي تأتي – غالباً – مقرونة بعوامل مقاومتها – الأحلام الملوَّنة على سبيل المثل – ودالة الفقر باعتباره إحدى درجات القتل البطيء. إن أهم ما يميز قصيدة سلوى عبدالحليم؛ في ديوانها الأول «بلا أدنى أهمية»؛ هو ذلك الجدل الدائم بين تصوير بؤس العالم بما فيه من حروب ومجاعات وقهر، وانتظار عالم آخر بديل كما يبدو من قولها: «الروح هدمت/ والطريق باتت/ مثل المرايا/ لكن النبتة الصغيرة/ ما زالت خضراء/ ما زالت تنمو» صـ46. وتظل النبتة الخضراء مرادفة – شعرياً – لكل معاني الحب والحرية والإبداع التي طرحتها الشاعرة على مدار هذا الديوان الجميل.

عن موقع جريدة الحياة


“الحياة” صحيفة يومية سياسية عربية دولية مستقلة. هكذا اختارها مؤسسها كامل مروة منذ صدور عددها الأول في بيروت 28 كانون الثاني (يناير) 1946، (25 صفر 1365هـ). وهو الخط الذي أكده ناشرها مذ عاودت صدورها عام1988.

منذ عهدها الأول كانت “الحياة” سبّاقة في التجديد شكلاً ومضموناً وتجربة مهنية صحافية. وفي تجدّدها الحديث سارعت إلى الأخذ بمستجدات العصر وتقنيات الاتصال. وكرست المزاوجة الفريدة بين نقل الأخبار وكشفها وبين الرأي الحر والرصين. والهاجس دائماً التزام عربي منفتح واندماج في العصر من دون ذوبان.

اختارت “الحياة” لندن مقراً رئيساً، وفيه تستقبل أخبار كل العالم عبر شبكة باهرة من المراسلين، ومنه تنطلق عبر الأقمار الاصطناعية لتطبع في مدن عربية وأجنبية عدة.

تميزت “الحياة” منذ عودتها إلى الصدور في تشرين الأول (أكتوبر) 1988 بالتنوع والتخصّص. ففي عصر انفجار المعلومات لم يعد المفهوم التقليدي للعمل الصحافي راوياً لظمأ قارئ متطلب، ولم يعد القبول بالقليل والعام كافياً للتجاوب مع قارئ زمن الفضائيات والإنترنت. ولأن الوقت أصبح أكثر قيمة وأسرع وتيرة، تأقلمت “الحياة” وكتابها ومراسلوها مع النمط الجديد. فصارت أخبارها أكثر مباشرة ومواضيعها أقصر وأقرب إلى التناول، وكان شكل “الحياة” رشيقاً مذ خرجت بحلتها الجديدة.

باختصار، تقدم “الحياة” نموذجاً عصرياً للصحافة المكتوبة، أنيقاً لكنه في متناول الجميع. هو زوّادة النخبة في مراكز القرار والمكاتب والدواوين والبيوت، لكنه رفيق الجميع نساء ورجالاً وشباباً، فكل واحد يجد فيه ما يمكن أن يفيد أو يعبّر عن رأيٍ أو شعورٍ أو يتوقع توجهات.


عرّف بهذه الصفحة

Imprimer cette page (impression du contenu de la page)